للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من عبر عن الخلاف هاهنا بالوجهين وكذلك فعل صاحب الكتاب، وإذا لم يكن القولان منصوصين، فكثيراً ما يعبر عنهما بالوَجْهَيْنِ. وعن الشَّيْخ أبي محمد: أن أبا بكر الفارسي حكى قولاً عن الربيع عن الشَّافعي -رضي الله عنه- أن المُسْتَحَاضة تخرج من الصلاة وتتوضأ وتزيل النجاسة وتبني على صَلاَتِهَا، ويمكن أن يكون هذا بناء على القول القديم في سبق الحدث، وهو يوافق تخريج ابن سريج في أنه لا يبطل ما سبق من صلاتها، ويخالفه في الأمر بالوضوء وإزالة النجاسة، فهذا حكم الانقطاع الكلي وهو الشفاء. وإذا عرفت ذلك فنقول مهما انقطع دمها، وهي تعتاد الانقطاع والعَوْد أَوْلاً تعتاده، ولكن أخبرها عنه من تعتمد من أهل البَصِيرَة، فينظر إن كانت مدَّة الانقطاع يسيرة لا تسع الطهارة والصَّلاة التي تطهَّرت لها، فلها الشُّروع في الصلاة، ولا عبرة بهذا النوع من الانقطاع؛ لأن الظاهر أنه لا يدوم، بل يعود على القرب، ولا يمكن من الطهارة والصلاة من غير حدث، فلو أنه امتد على خلاف عادتها، أو خلاف ما أخبرت عنه بأن بطلان الطهارة ووجب قضاء الصلاة، وإن كانت مدة الانقطاع كبيرة تَسَعُ الطهارة والصلاة، فعليها إعادة الوضوء بعد الانقطاع، فلو عاد الدم على خلاف عادتها قبل الإمكان، ففي وجوب إعادة الوضوء وجهان:

أظهرهما: أنها لا تجب، لكن لو شرَعَتْ في الصلاة بعد هذا الانقطاع من غير إعادة الوضوء ثم عاد الدم قبل الفراغ وجب القضاء على أصح الوجهين؛ لأنها حين [الشروع] (١) كانت شَاكَّةً في بقاء الطَّهَارة الأولى، وإن انقطع دمها، وهي لا تعتاد الانقطاع والعود، ولم يخبرها أهل البَصِيرَةِ عن العَوْدِ -فتؤمر بإعادة الوضوء في الحال، ولا يجوز لها أن تصلِّي بالوضوء السَّابق؛ لأن هذا الانقطاع يحتمل أن يكون شفاء- وهو الظاهر، فإن الأصل بعد الانقطاع عدم العود فلو عاد قبل إمكان فعل الطَّهَارة والصلاة، ففيه وجهان:

أصحهما: أن وُضُوءَهَا بحاله، لأنه لم يوجد الانقطاع المغني عن الصَّلاة مع الحدث.

والثاني: يجب الوضوء، وإن عاد الدم، نظراً إلى أول الانقطاع، ولو خالفت أمرنا وشرعت في الصلاة من غير إعادة الوضوء بعد الانقطاع، فإن لم يعد الدَّم لم تصح صلاتها؛ لظهور الشِّفاء، وكذلك إن عاد بعد مضي إمكان الطهارة والصلاة؛ لتمكُّنِهَا من الصَّلاة من غير حدث، وإن عاد قبل الإمكان فهل يجب قضاء الصلاة؟ فيه وجهان كما في إعادة الوضوء، لكن الأصح الوجوب، لأنها شرعت فيه على تردد، وعلى هذا لو


(١) في (ط): الوضوء.

<<  <  ج: ص:  >  >>