للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "تلجمي" أي شدي عليك اللِّجام. قال: وهو شبيه بقوله اسْتثْفِرِي، وأما الاسْتِثْفَارُ فقد قال "الغريبين" اللغويون: يحتمل أنْ يكون مأخوذاً من ثفر الدَّابَّةِ أي تشد الخرقة عليها كما يشد الثّفْر تحت الذَّنَب ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الثّفر أريد به فَرْجها وإن كان أصله للسباع ثم استعير، يقال استثفر الكلب إذا أدخل ذنبه بين رجليه، واستثفر الرجل إذا أدخل ذَيْلَهُ بين رجليه من خلفه، هذا بيان اللفظين، والمراد بهما شيء واحد، وهو ما سبق وصفه، وسماه الشافعي -رضي الله عنه- التَّعْصِيبَ أيضاً، ويجب تقديم ذلك على الوضوء كما سبق، وإن آخره صاحب الكتاب في اللفظ عن الوضوء.

وقوله: "فإن أخرت فوجهان" ظاهره يقتضي طرد الوجهين في مطلق التَّأخير، لكن لو كان التَّأخير، بسبب من أسباب الصَّلاة فقد نفى معظم النّقلة لخلاف فيه، وخصوه بما إذا لم يكن لعذر. فليحمل مطلق لفظه عليه -والله أعلم-.

[قال الغزالي: وَمَهْمَا شُفِيَتْ قَبْلَ الشِّرُوعِ فِي الصَّلاَة اسْتَأنَفَتِ الوُضُوَءَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّلاَةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا رَأَى المَاءَ. وَالثَّانِي: أنَّهَا تَتَوَضَّأُ وَتَسْتَأْنِفُ؛ لأَنَّ الحَدَثَ مُتَجَدّدُ فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَبْعَدْ مِنْ عَادَتِهَا العَوْدُ، فَلَهَا الشُّرُوعُ فِي الصَّلاَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَاف الوُضُوءِ، وَلَكِنْ إِنْ دَامَ الانْقِطَاع فَعَلَيْهَا القَضَاءُ، وَإِنْ بَعَدَ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهَا، فَعَلَيْهَا اسْتِئْنَافُ الوُضُوءِ فِي الحَالِ].

قال الرافعي: طهارة المُسْتَحَاضَةِ تبطل بحصول الشِّفَاء أو زوال العُذْرِ والضَّرورة، ويجب عليها اسْتِئْنَافها وفيه وجه ضعيف، أنه لو اتَّصل الشِّفاء بآخر الوضوء لم تبطل، هذا إن اتفق خارج الصلاة فإن وقع في الصَّلاة، فظاهر المذهب أنه يبطل الصَّلاة وتتوضَّأ وتستأنف؛ لأنها قدرت على أن تتطهَّر وتصلِّي، مع الاحتراز عن الحَدَثِ واستصحاب النَّجَاسة، وارتفعت الضَّرورة.

وخرج ابن سريج من المتيمم يرى الماء في أثناء الصلاة قولاً هاهنا، إن طهارتها لا تبطل، وتمضي في الصَّلاة. لكن الفرق ظاهر من وجهين:

أحدهما: إن حدث المتيمم؛ وإن لم يرتفع لم يزدد ولم يتجدَّد، والمُسْتَحَاضَةُ قد تجدد حدثها بعد الوضوء.

والثاني: أن المستحاضة مستصحبة للنجاسة وَسُومِحَتْ به للضرورة، فإذا زالت الضَّرورة زالت الرخصة، والمتيمم لا نجاسة عليه، حتى لو كان على بَدَنِهِ نجاسة غير مَعفو عنها، ووجد الماء في أثناء الصلاة تبطل صلاته. ولا يجوز له البِنَاء، وقد ذكرنا في التَّيمم أن ابن سريج كما خرج من ثم إلى هاهنا خرج من هاهنا إلى ثم وجعل المسألتين على قولين بالنَّقْل والتَّخْريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>