للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقْفُ بانتهاءِ المدَّة. والمذهَبُ المشهورُ أنَّ الشَّرط فاسِدٌ، وكذلك أصْل الوَقْف.

ومنْهم مَنْ قال: إنَّ الوقْفَ الَّذي لا يُشْتَرَطُ فيه القَبُولُ لا يفْسُد بالتأقيت كالعِتْق، وبِهِ قالَ الإمَامُ، ومَنْ تابعه، وفي مطْلَق الوقْف قولٌ آخر، سنحكيه في الهبة، إنْ شاءَ الله تعالَى.

المسألة الثانية: إذا قالَ: وقَفْتُ عَلَى أولادِي، ولم يذكُرْ من يُصْرَفُ إليه بعدهم، أو قال: وقَقتُ على زَيْدٍ، ثم عَلَى عَقِبِهِ، ولم يَزِدْ عليه، ففيه قولانا:

أحَدُهُمَا: وهو المنصوصُ في "المختصر" وبه قال مالكٌ: أنَّه صحيحٌ؛ لأنَّ مقصودَ الوَقْف القربةُ والثَّوَابُ، فهذا بَيَّن مصرفه في الحال، سَهُل إدامَتُهُ على سُبُل الخير.

والثاني: ويُحْكَى عن نصه في حرملة مع الأَوَّل: أنَّه باطلٌ؛ لأنَّ شَرْطَ الوقف التأبيدُ، وإذا لم يردَّه إلى ما لا يدُومُ، لم يؤبِّدْه، فكان كما لو قال: وقفتُهُ سنةً، وفي "التتمة" بناءُ القولَيْن عَلَى أنَّ البَطْنَ الثَّاني يتلَقَّوْن الوقْف من الواقف، أو مِنَ البطَنْ الأَوَّل، إن قلْنا بالأول، فلا بدَّ من بيان ينتهي الاستحقاقُ إلَيْه.

وإن قلنا بالثاني، فلا حاجة إلَيْه، وفي هذا البناءِ كلامَان:

أحدُهُمَا: أنَّ قضيته ترجيح قوْل البُطْلان؛ لأنَّ قَوْلَ التلقِّي من الواقِف أرْجَحُ وأصحُّ، وإلَى ترجيحه ذهَبَ المَسْعُودِيُّ والإمَامُ، لكنَّ الأكثرين قالُوا: أصحُّ القولَيْن صحّةُ الوقْف؛ مِنْهم القضاة أبو حامدٍ والطبريُّ والرُّويانيُّ.

والثاني: أن بناء قَوْلِ المنْعِ عَلى التلقِّي من الواقف، إن ظهر بعْض الظهور، فبناء قول الصحة على التلقِّي من البطْنَ الأوَّل لا ظهور له، ولا اتجاه؛ لأنَّهم لا يتلَقَّوْنَ الحقَّ إلى المتلقِّين منهم، وليس ذلك عَلَى سبيل الإرْث، فإنَّ المَصْرُوف إلَيْهم ليْسُوا بورثةِ الأوَّلِين. وعنْ صاحبِ "التقريب" قولٌ ثالثٌ في المسألة -وهو الفَرْقُ بيْن أنْ يكونَ المَوْقُوفُ عَقَاراً، فلا يجَوز إنشاؤُهُ منْقَطِع للآخر أو حيواناً، فيجوز, لأنَّ مصير الحيوان إلى الهلاك وكما يجوز فوات الموقوف مع بقاء الموْقُوف عَلَيْه يجوز فوات الموقُوف علَيْه مع بقاء المَوْقُوف.

التفْريعُ: إن قلْنا بالصِّحَة، فإذا انقرضَ مَنْ ذَكَره، فقولان:

أحدُهُمَا: إنَّه يرتفع الوقْف، ويعود ملْكاً إلى الواقف، أو إلَى ورثته، إن كان قَدْ مَات؛ لأن إبقاءَ الوقْف بلا متصرف متعذِّرٌ، وإثبات مصرف، لم يتعرَّض له الواقفُ، بَعِيدٌ، فيتعيَّن ارتفاعه، ويُحْكَى هذا عنِ المُزَنِيِّ.

وأصحُّهُمَا: أنَّه يبقَى وقْفاً؛ لأنَّ وضْعَ الوقْف عَلَى أنْ يدُومَ، ويكون صدقة

<<  <  ج: ص:  >  >>