أنَّهُ لِلَّهِ (م و) إِذْ لاَ تَصَرُّفَ لأَحَدٍ فِيهِ. وَالثَّالِثُ: أنَّهُ لِلْمَوُقُوفِ عَلَيْهِ (ح م) فإِنَّهُ المُتَصَرِّفُ بِالانْتِفَاع.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الأحكام المعنوية:
منْها اللزومُ في الحَال، سواءٌ أضافه إلَى ما بعد الموت، أو لم يُضِفْه، وسواءٌ سلَّمة أو لم يسلِّمه، وسواءٌ قَضَى به قاضٍ أو لم يَقْضِ (١)، وعن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أن الوَقْفَ كالعارية يَرْجِعُ عنْه، متى شاء إلاَّ أنَ يُوحِيَ به، فيلزم بعد الموت أو يَقْضِي به قاضٍ، فيلزم. وعن أحمد روايةٌ: أنَّه لا يلزم إلاَّ بالتَّسْليم.
وإذا لَزِمَ، امتنعت التصَرُّفات القادحة في عوض الوَقْف، وشرْطُ الواقِفِ على الوَاقِف وعلَى غيره.
وأمَّا رقبةُ الوقْف، فالنصُّ هاهنا أنَّه مِلْكَ الواقِفِ يزُولُ عَنْها، وأنَّ الموقوف عليه لا يَملِكُها، وإنَّما يَمْلِكُ المنفعةَ، وذكَر في "الشَّهادات" أنَّ مدَّعِيَ الوقْفُ، إذا أقام شاهداً واحداً، حلف معه، وهذا يدلُّ على أنَّه يملك الوقْفَ، فللأصحاب في المسألة طُرُقٌ؛ اختصارها أن في طُرُقُ الواقف قولَيْن:
أصحُّهُمَا: وهو المنصوصُ: أنَّه مِلْكَهُ يزولُ؛ لأنَّه تصرُّف يقطْعِ تصرُّفه في الرقبة، واستحقاقه المنفعةَ، فأشْبه العِتْقَ والصَّدَقة.
والثاني: وبه قال مالك: أنَّهُ لا يزولُ مِلْكُهُ؛ لأنَّ شرْطَهَ مُتَّبَعٌ، ولو زال، لَمَا اتَّبع، ويُحْكَى هذا عن اختيار القاضي الحُسَيْن، وأن ابن سُرَيْجٍ خرَّجه من نص الشافعيِّ -رضي الله عنه- في الوقْف المنْقَطِعِ؛ أنَّه يُصْرَفُ إلى أقربِ النَّاسِ إلى الوَاقِفِ ونَظَائِره.
وإذا قلْنا بالأوَّل، فإلي من ينتقل؟
أظهر الطُّرْق أنَّه عَلَى قولَيْنِ:
وأصحُّهُمَا: وبه قال أبو حنيفة -رضي الله عنه- أنَّه ينتقل إلَى اللهِ -تعالى- كالعِتْق، ومعناه أنَّه ينفك عن اختصاصَاتِ الآدمِيِّينَ.
والثاني: وبه قال أَحْمَدُ: أنَّه ينتقلُ إلى المَوْقُوفُ علَيْه كالصَّدقة، وهذا مخرَّجٌ مأخوذٌ من النصِّ المذكور في "الشهادات".
(١) قال النووي: وسواء في هذا كان الوقف على جهة، أو شخص، وسواء قلنا: الملك في رقبة الوقف لله تعالى، أم للموقوف عليه، أم بأقٍ للواقف، ولا خلاف في هذا بين أصحابنا إلا ما شذَّ به الجرجاني في "التحرير" فقال: إذا كان على شخص وقلنا: الملك للموقوف عليه، افتقر إلى قبضه كالهبة، وهذا غلط ظاهر وشذوذ مردود، نبهت عليه لئلا يُغترَّ به.