للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: هو كقيمة الموقوف، إذا أتلف، فَعَلَى هذا يُصْرَفُ الثمن إلى الموقوف علَيْه مِلْكاً على رأْيٍ. وإذا قيل به، فلو قال الموقُوفُ علَيه: لا تبيعوها، واقْلِبُوها إلَى ملكي، فالمذهب أنَّهُ لا يُجَابُ، ولا تنقلب عين الوقْف ملكاً، بل ارتفاع الوقْف موقوفٌ على البيع، وأبْعَدَ بعضُ الأصحابِ، وأجازه، وزَعَمَ، أنه ينقلِبُ ملْكاً من غير وقف عقْد.

وقول ثالث ولو انهدمَ المسجِدُ نَفْسُه، أو ضربت المحلَّةُ، وتفرَّق عنها الناسُ، وتعطَّل المسجد، فلا يعودُ ملْكاً بحال، ولا يجوزُ بَيْعُهُ (١) كالعبْد، إذا أعتقه، ثم زَمِنَ، ولا يشبه جفاف الشجرة؛ لأنَّهُ يتوقع عوْدُ الناس والعمارة قائمة، وهذا كما لو وقَف عَلَى ثغر، فاتَّسعَت رقعة الإِسلام بحفْظِ رِيعِ الوَقْف؛ احتمال عَوْده ثغراً.

وأيضاً، فالانتفاع، في الحال بالصلاة في العَرْصَة ممكنٌ، ثم المسْجد المعطَّل في الموضع الخراب إن لم يُخف من أَولى الفساد نقضه لم ينقض وإن خيف، نقض وحفظ. وإن رأى الحاكم أن يعمر بنَقْضه مَسْجداً آخر، جاز، وما كان أقربَ إليه، فهو أَوْلَى، ولا يجوز صَرْفُه إلَى، ولا يجوز صَرْفه إلَى عمارة بئر، أو حَوْض، وكذا البئْرُ الموقوفة، إذا خربت، يُصْرَف نقضها، إلى بئْراً أُخرَى أو حوْضٍ لا إلى المسجد، ويراعَى غَرض الواقِفِ ما أمكن. وجميع ما ذكرناه في حُصُر المسجد، ونظائرها فيما إذا


= المنهدمة بجواز البيع فضلاً عن أحكام الخلاف فيه، بل كلهم قطعوا بأنه لا يجوز بيعها ولم ينقلوا الجواز إلا عن الإمام أحمد مع حكاية عامتهم الخلاف في العصر والخدوع إذا تلفت، وساق الشيخ الإمام السبكي في شرح المنهاج والأذرعي في التوسط وشرح المنهاج والزركشي في الخادم يطول ذكر ما حصل كلامهم أن كتب المذهب من الطريقتين شاهدة بخلاف ما ذكره الرافعي، فظهر أن الإمام منفرد بنقل الخلاف في المشرفة، والرافعي منفرد بذكر الخلاف في المنهدمة وباقتضائه التصحيح فيها وفي المشرفة بالجواز على أن الإمام لما حكى الخلاف في المشرفة عزي للأكثرين المنع.
(١) قال الشيخ جلال الدين البلقيني في حاشية الروضة:
وكما لا يجوز بيعه لا يجوز إجارته للسكنى وهذا واضح، وكذلك البئر الموقوفة لنقل الماء لميضأة لا يجوز بيعها ولا إجارتها وقد وقعت هذه المسألة في الأقبغاوية لها زمن طويل لا ينتفع بها لأن ميضأتها خلطت مع ميضأة جامع الازهر، ثم أريد إجارتها فأفتيت بأنه لا يجوز إجارتها لأن هذه موقوفة لينتفع بها في وضوء المصلين، فإذا تعذر هذا الانتفاع، لم تبع ولم تؤجر لأن الماء يصير ملكاً للمستأجر لأن البئر ليستقي ماؤها تصح إجارتها ويملك المستأجر الماء الذي في البئر، وتقع الإجارة هنا لغيره، وهي مستثناة من أصل قاعدة الإجارة أنها لا يقصد لها إلا المنفعة. وحينئذٍ فلا تصح إجارة هذه البئر ليستقي ماؤها كما لا تصح إجارة المسجد المعطل لسكنى، وسئلت عن إجارة جدار المسجد لوضع جذوع جار المسجد حيث لا يضر بالمسجد فظهر لي أنه لا يجوز لأن الجدار أيضاً مسجد، فلا يجوز الانتفاع به كما لا يجوز بيعه، ولا يجوز إجارته.

<<  <  ج: ص:  >  >>