كما إذا رأت سواداً ثم حمرة ثم عاد السواد، ولا يخفى مما ذكرنا من شرائط التمييز، وإن ألحقناها عند الوسط بالصفرة، فالصفرة المتوسطة هاهنا أولى إن تلحق بما بعدها -والله أعلم-.
قال الرافعي: ذكرنا أن بعد شرائط التَّمييز لا يخلو الحال إما أن يتقدم الدَّم القوي، وقد بيناه أو يتقدم الضَّعيف كما إذا رأت خمسة حمرة ثم سواداً ثم عادت الحمرة واستمرت فإن أمكن الجمع بين الحمرة والسواد مثل أن ترى خمسة حمرة وخمسة سواداً ففيه ثلاثة أوجه محكية عن ابن سريج:
أظهرها: أن النظر إلى لون الدم دون الأَوَّلية، فتكون حَائضًا في خمسة السواد ومُسْتَحَاضَة قبلها وبعدها، ووجهه ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ أسْوَدُ يُعْرَفُ"(١) وأيضاً فإن ما سوى السَّوَاد ضعيف فلا يجعل حَيْضاً، كما لو كان متأخرًا عن السَّوَاد.
والثاني: أنه يجمع بين السَّواد الحمرة قبله، فتحيض فيهما؛ لأن للحمرة قوة السَّبق، وللسَّواد قوة اللون وقد أمكن الجمع.
والثالث: أنه يسقط التَّمييز؛ لأن العدول عن أول الدَّم مع حدوثه في زمان الإمكان بعيد، والجمع بين السَّواد والحمرة يخالف عادة التَّمييز، فلا يبقى إلا أن يحكم بسقوط التَّمييز، وإن لم يكن الجمع بين الحمرة والسَّوَاد، كما إذا كانت الحُمْرَة السابقة خمسة والسواد أحد عشر ترتب على الحالة الأولى إن قلنا: ثم حيضها الدم القوي، فكذلك هاهنا. وإن قلنا: هي فاقدة للتَّمييز فهاهنا أولى.
فإن قلنا: يجمع بينهما فقد تعذر الجمع هاهنا. فهي فاقدة للتَّمييز وسنبيَّنُ حكم المبتدأة التي لا تمييز لها. وفيه وجه آخر أن حَيْضَها هاهنا الدّم المتقدّم على السَّواد نظراً إلى الأوَّلية فلو صار السَّواد ستة عشر فَقَدْ فَقَدَ أحد شروط التمييز فهي كمبتدأة لا تمييز لها ويعود الوجه الصَّائر إلى رعاية الأولية الذي ذكرناه الآن وهو ضعيف. وسنعيد هذه الصُّورة لغرض آخر إن شاء الله تعالى وإذا فَرَّعْنَا على الأصَحِّ وهو أن حيضها السَّواد فلو رأت المبتدأة خمس عشرة حمرة أولاً ثم خمسة عشر سواداً تركت الصَّوم والصَّلاة في جميع هذه المدة.
(١) أخرجه أبو داود (٢٨٦) وابن حبان (١٣٣٨) قال ابن الملقن: ما ذكره الرافعي فيه بعد أسود يعرف، وأن له رائحة فغريب، انظر الخلاصة (١/ ٨١).