للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ دُعِيَتُ إلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ" (١).

ولا ينبَغِي أن يستَحْقر القليل، فيَمتنعَ من أنْ يُهْدِيَ، ولا أن يَسَتنْكِفَ المُهْدَى إليْه عن قَبُول القليل. وقد رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تُحَقِّرَنَّ جَارَةٌ لِجَارِتهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ (٢) " (٣). إذا تقرَّر ذلك، فاعْلَمْ أنَّ الأَنْواعَ الثَّلاثةَ تفترق في أحكام وتشتركُ في أحكامٍ، وهي الأكثرُ، ونحْنُ نثبتها، إن شاء الله تعالى، جارَين عَلَى نَظْم الكتاب، وهو يشتمل عَلَى فصْلٍ في أركان الهبة، وفصْل في أحكامها. أمَّا الأركان، فالمذكور منها ثلاثةٌ:

أحدُهَا: الصيغةُ. وأما الهبة فلا بدَّ فيها من الإيجاب والقَبُول باللَّفْظ، كالبيعِ وسَائِر التَّمْليكات (٤). وأمَّا الهديَّة، فذهب ذاهِبُون إلَى أنَّهُ لا حاجَةَ فيها إلى الإيجاب والقَبُول اللَّفْظِيَّيْنِ، بلِ البَعْثُ من جهة المهدي كالإيجاب والقبض من جهة المهدي إليه كالقَبُول.

واحْتَجُّوا بأن الهَدايَا كانتْ تُحْمَلُ إلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَيَقْبَلُهَا (٥)، ولا لفْظَ هناكِ،


= ابن طاهر: ولا أعرفه، وأورده أيضاً من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية، قال ابن طاهر: إسناده أيضاً غريب وليس بحجة، وروى مالك في الموطإ عن عطاء الخراساني رفعه: "تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الحشناء" ذكره في أواخر المكاتب، وفي الأوسط للطبراني من طريق عائشة رفعه: "تهادوا تحابوا، وهاجروا تورثوا أولادكم مجداً، وأقيلوا الكرام عثراتهم" قاله الحافظ في التلخيص: وفي إسناده نظر.
(١) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة في النكاح، وأورده في الهدية من حديثه بلفظ: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت" ورواه الترمذي من حديث أنس بلفظ "لو أهدى إلى كراع لقبلت، ولو دعيت عليه لأجبت" وصححه.
(٢) قال الحافظ في التلخيص: فرسن الشاة ظلفها، وهو في الأصل خف البعير، فاستعير للشاة ونونه زائدة.
(٣) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
(٤) كلام الشيخ في الناطق، أما الأخرس فلا خفاء في صحة هبته بإشارته المفهمة من الناطق ولمثله وانعقاد الهبة بالمكاتبة أولى بالصحة من البيع، والصحيح المنصوص في البيع الصحة. قال الإمام: ولا شك أن من يجوز البيع بالمعاطاة يجوزه في الهبة، ومحل اعتبار الصيغة في غير الهبة الضمنية كأعتق عبدك عني فأعتقه، فإنه يدخل في ملكه ويعتق عليه.
واستثنى بعضهم أيضاً المرأة إذا وهبت ليلتها من ضرتها، فلا يشترط قبولها على الصحيح.
(٥) رواه الترمذي (١٥٧٦) وأحمد. والبزار من حديث علي: أن كسرى أهدى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هدية فقبل منه، وأن الملوك أهدوا إليه فقبل منهم، وفي النسائي عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال: لما قدم وقد ثقيف قدموا معهم بهدية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أهدية أم صدقة؟ فإن كانت هدية فإنما ينبغي بها وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما ينبغي بها وجه الله" قالوا: لا بل هدية، فقبلها منهم -الحديث- قال الحافظ في التلخيص والبخاري عن عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتى بطعام سأل أهدية أو صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، وإن قيل: هدية ضرب بيده فأكل معهم، قال الحافظ في التلخيص: والأحاديث في ذلك شهيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>