للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبَق. وقوله: "وكما قبل القبول" الحكْم بإلإنفساخِ قِيَاساً على ما قبل القَبُول فيه ضَرْبُ تَوَسُّع، فإنَّه لا انعقاد قَبْل القَبُول حتَّى يطرأ علَيْه انْفِسَاخٌ والمعْنَى أنَّه إذا ماتَ قَبْل القَبُول يلْغُوا الإيجابُ، ولا يَبْقَى له اعتبارٌ، فكذا إذا مات قَبْل القَبْض؛ لشُمُول الجَوَاز للحالَتَيْنِ.

وأعلم قوله: "لم يحصْلُ المِلْك" بالحاء إشارةً إلَى ما ذكرنا منْ مذْهَب أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنَّه إن كان القَبْضُ في المجْلِسِ، حَصَلَ الملك، وإن لم يُوجَدِ الإذْنُ، هذا شرْحُ الأركان المذكورة في الكِتَاب، واعلم أنَّ المتعاقِدَيْن معدودانِ مِنَ الأرْكَان، وكأنَّه ترك ذكرهما لوضُوح حالِهِمَا، وما يُعْتبر فيهما، وأنَّ القَبْضَ، وإنْ كان ركناً، لا بد منه في حُصُول المِلْك، وإن لم يوجد الإذْن، هذا شرح الأركان إلاَّ أن كلامه في الكتاب في أركانِ الهِبَة، وليْسَ القبضْ مِن نفْس الهِبَة؛ ألا تَرَى أنَّهُ يقال: هِبَةٌ اقترنَ بها القَبْض، وهبةُ لم يقترن، والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: الفَصْلُ الثَّانِي في حُكْمِهَا وهو قِسْمَان: الأوَّل مَا قُيِّدَ بِنَفْي الثَّوَابِ فَيَلْزَمُ بِالقَبْضِ، وَلاَ رُجُوعَ فِيهِ إلاَّ لِلْوَالِدِ (ح م) فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ الوَالِدَةُ وَالجَدُّ (م) وَكُلُّ أَصْلٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالأَبِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ لِفَقْرِهِ فَفِي الرُّجُوعِ خِلاَفٌ، وَمَهْمَا تَلِفَ المَوْهُوبُ أَوْ زَالَ مِلْكُ المُتَّهِبِ فَاتَ الرُّجُوعُ، وَلاَ يَثْبُتُ طَلَبُ القِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ عَصِيراً فَصَارَ خَمْراً ثُمَّ عَادَ خَلاًّ عَادَ الرُّجُوعُ (و)، وَكَذَا إِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ وَالكِتَابَةُ، وَلَو عَادَ المِلْكُ بَعْدَ زَوَالِهِ فَفِي عَوْدِ الرُّجُوعِ قَوْلاَنِ (و)، وَلَوْ حَصَلَتْ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ سُلِّمَتْ للمُتَّهِبَ وَاخْتَصَّ الرُّجُوعِ بِالأَصْلِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في هذَا الفَصْل الثاني مقصدان:

أحدُهُمَا: القوْلُ في الرُّجوع في الهِبَةِ.

والثاني: في اقتضائِهَا الثَّوابَ لكنه خلَط أحَدَهُما بالآخرَ، وأشارَ إلَى ضبْط ما يفي بالمقصُودَيْن، وإن لم يُصَرِّح به، ونَحْنُ نوضِّحه، ونأْتِي بمسائِلِ الكِتَاب مدرجة فيه، فنَقُول: الهِبَةُ تنْقَسِم إلَى مقيَّدة بنَفي الثَّوَاب، وإلَى مقيَّدة بإثْبَاته، وإلى مطْلَقَة.

أمَّا المقيَّدة بنفْي الثواب، فإنَّها تلْزَمُ بالقبض، ولا رجُوعَ فيها إلاَّ للوالِد يرْجِعُ فيما يهب لولَده عَلَى ما سيأْتِي.

وينبِغي للوَالِدِ أن يعْدِلَ في العطيَّة بيْن الأولادِ كيْلا يُفْضِي بهم المَيْلُ إلى العقوق قال: فإن ترك العَدْلَ، فقد فَعَل مكروهاً لكنْ تصحُّ الهبة.

رُوِيَ عنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- أنَّ أباهُ أتَى بِهِ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>