للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمَاً -فَقَالَ: "أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَ هَذَا؟ قال: لا، قَالَ: "أَيَسُرُّكَ أنْ يَكُونُوا لَكَ في البرِّ سَوَاءً؟ " قَالَ: "نَعَمْ، قال: فَلاَ، إذَنْ" ويرْوَى عنه قال: "فأَرْجِعْهُ" وُيرَوَى أنَّهُ قال: "فَاتَّقُوا الله واعْدِلُوا بَيْنَ أوْلاَدِكُمْ" (١).

ثم الأَوْلَى، والحالة هذه، أن يُعْطِيَ الآخرين بما يَحْصُل به العَدْل، ولو رَجَعَ، فلا بأسَ. وعن أحمد -رضي الله عنه- أنَّه يجبُ الرُّجُوع، وُيرْوَى عنْه أنَّهُ لا تصحُّ الهبةُ مع التَّخْصيص أصْلاً، وإذا أعطَى، وعدل، كُرِّهَ له الرجُوع، وكذا إنْ كانَ لَهُ وَلدٌ واحدٌ، فوهَبَ منْه، كره له الرجُوع، إن كان الولدُ عفيفاً بارّاً، وإن كان عاقّاً، أو كان يستعينُ بما أَعْطَاه في مَعْصِيَةٍ، فليُنْذِرْهُ بالرُّجُوع، فإنْ أصرَّ، لم يُكْرَه الرُّجوعُ.

وفي طريقِ العَدْلِ في الهبةِ منَ الأولاد وجهان:

أصحُّهما: وبه قال أبو حنيفةَ ومالكٌ -أَنَّ الطريق التَّسْوية بين الذكور والإناثِ؛ لما رُوِيَ أنّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال:"سَوُّوْا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي العَطِيَّةِ، وَلَوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أَحَداً لَفَضَّلْتُ البَنَاتِ" (٢).

والثاني: وبه قال أحمد: أنَّهُ يُعطِي للذِكر مثل حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ (٣)، اعتباراً بالميراث، إذا تقرَّر ذلك، فالكلامُ فيمَنْ يرجع؟ وفي أنَّه إلاَمَ يَرْجِع؟ وفي أنَّ الرُجُوعَ لم يَحْصُلْ.

أمَّا الراجعُ، فللأب الرجُوعُ في الهبة؛ لما رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "لاَ يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أنْ يَرْجِعَ فَيمَا وَهَبَ إلاَّ الوَالِدُ فإنَّهُ يَرْجِعُ فيما وَهَبَ لِوَلَدِهِ" (٤).


(١) رواه الشَّافعي في الأم والبيهقي من طريقه باللفظ الثاني ورواه البخاري (٢٥٨٦ و ٢٥٨٧ و ٢٦٥٠) ومسلم (١٦٢٣) وقال الحافظ في التلخيص: واللفظ الثالث عند البخاري، وقوله: أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ هو في رواية داود ابن أبي هند عن الشعبي عنه أخرجه البيهقي وغيره. (تنبيه) وقع في الوسيط للغزالي إلى أن الواهب هو النعمان بن بشير وهو غلط ظاهر.
(٢) رواه الطبراني من حديث ابن عباس إلا أنه قال: النساء، بدل البنات والبيهقي (٦/ ١٧٧) وقال الحافظ في التلخيص: وفي إسناده سعيد ابن يوسف وهو ضعيف، وذكر ابن عدي في الكامل (٣/ ١٢١٧) أنه لم يرو له أنكر من هذا زاد القاضي حسين في هذا الحديث بعد قوله العطية: حتى في القبل، وقال الحافظ في التلخيص وهي زيادة منكرة.
(٣) قال النووي: وإذا وهبت الأم لأولادها، فهي كالأب في العدل بينهم في كل ما ذكرناه، وكذلك الجد والجدة، وكذا الابن إذا وهب لوالديه. قال الدارمي: فإن فضل فليفضل الأم.
(٤) رواه الشَّافعي (٢/ ١٦٨) رقم (٥٨٤) عن مسلم بن خالد عن ابن حريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس به مرسلاً، وقال: لو اتصل لقلت به، انتهى وقد رواه أبو داود (٣٥٣٩) والترمذي (٢١٣٣) والنسائي (٦/ ٢٦٥) وابن ماجه (٢٣٧٧) وصححه الترمذي وابن حبان (١١٤٨ موارد) والحاكم (٢/ ٤٦) من حديث طاوس عن ابن عباس.=

<<  <  ج: ص:  >  >>