للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الإمامُ أنَّ الشَّيْخَ إبَا عَلِيٍّ حَكَى عن ابْن سُرَيجٍ أنَّه إنَّما يَرْجِعُ إذا قَصَدَ بهبته استجلابَ برٍّ أو دَفْعَ عُقُوقٍ، فلم يحْصُلْ غَرَضُه، أَمَّا إذا لَم يقْصِدْ ذلك، وأطْلَقَ الهبةَ، فلا رجُوع له والمشهودُ الأوَّلُ.

وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه-: لا رجوع للأبِ.

وعن مالك -رحمه الله- أنه إذا رَغِبَ راغبٌ في مواصلة الولَدِ بسَبَب المال الموهوب، فزوَّج من الابن، أو تزوَّج بالبنت، فلا رجوع له، وأصحُّ الروايتَيْن عن أحْمَدَ -رحمه الله- مثْلُ مذهبنا، وفي غير الأبِ منَ الأُصُول قولان:

أحَدُهُمَا: لا رُجُوعَ لهم؛ لأن الخير ورَدَ في الأب:

وأصحُّهُمَا: أنَّهُم كالأب كما أنَّهُم كالأبِ في حُصُول العِتْق، ووجُوب النَّفَقَةِ وسقوط القصاص. وقطَع قاطِعُون بثبوت الرُّجُوع للأُم؛ لأنَّها كالأب في كَوْن الولَد منهما، بل ولادَتُها متيقِّنةٌ، وانتسابُهُ إلى الأب ظاهرٌ.

وآخرُونَ بثُبوت الرُّجُوع للجد أبي الأب؛ لأنَّهُ كالأب في الولاية، وخصصوا الخلافَ بالأمِّ وآبائها وأمهاتها وأُمهاتِ الأبِ، وهَذا ما أورده المتولِّي.

وتنساقُ هذه الطُّرُقُ إلى أربعةِ أوْجُهٍ. أختصاصه بالأب اختصاصه بالأب والأمِّ.

اختصاصه بكلِّ أصلٍ [تثبت] له الولايةُ.

شموله كلّ أصْل، وهُو الأصحُّ، وعن مالك أنَّه لا رجُوعَ لهم سَوى الأم، وقال أحْمَدُ: لا رُجُوعَ لها أيضاً.

وأمَّا غير الأصول كالأخِ والعمِّ، وسائِر الأقارِبِ، فلاَ رجوعَ لهم كلما لا رجوع للأجانب، ووجْهُه ما قدَّمنا من الخبر، وأيضَاً، فقد رُوِيَ أنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُعْطِي عَطِيَّةً أَوْ يَهَبُ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيْهَا إلاَّ الوَالِدُ فِيما يُعْطَى وَلَدَهُ، وَمَثلُ الَّذِي يُعْطِي العَطِيَّةَ ثُم يَرْجِعُ فِيهَا كمَثَلِ الكَلْبِ يَأَكْلُ، فَإذَا شَبعَ قاء، ثُمَّ عَادَ في قَيْئهِ" (١).

وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه- لا رُجوعَ في الهبةِ منَ المَحْرَم، ويثبت في غير المَحْرَمَ قريبًا كان أو أجنبياً، إلاَّ في هِبَةِ أحدِ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الآخَرِ، ولا فَرْقَ في حقِّ الرجوع بَيْن أن يكون الوَالِدُ والوَلَدُ متفقَيْن في الدَّيْن، أو مختلفَيْن، ولو وهَبَ مَن عبد ولده، فلَهُ الرجوع.


= وقال الحافظ في التلخيص: وهو عنده من رواية عمرو بن شعيب عن طاوس، وقد اختلف عليه فيه، فقيل عنه عن أبيه عن جده والدارقطني (٣/ ٤٢ - ٤٣).
(١) قال الحافظ في التلخيص: هو بتمامه هكذا عند أبو داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>