للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو وهَبَ مِنْ مكاتَبِ ولده، فلا، وهبة الإنسان من مكاتَبِهِ كهبته من الأجنبيِّ.

ولو تداعَى اثنانِ موْلُوداً، ووهَبَا منْه، فلا رُجُوعَ لواحد منهما، فإنْ لَحِقَ بأحدِهِما فوجهان؛ لأنَّ الرجُوعَ لم يكن ثابتاً في الابتداء (١). وحْكمُ الرُّجُوع في الهديَّة حكُمُه في الهِبَة. ولو تصدَّق على ابْنه، فوجهان:

أصحُّهما: ويُحْكَى عن نصِّه في "حرملة" أنَّ له الرُجُوعَ أيْضاً؛ لأنَّ الخبر يقْتَضِي ثبوتَ الرُّجُوعِ في الهِبَة، والصَّدَقةُ ضَرْبٌ من الهبة، ولأنَّه تبرع على الولَد فِي الحياةِ لا بُدَّ فيه من التسليم، فأشبه الهبة (٢).

والثاني: وبه قال مالك رحمه الله لاَ رجوع له؛ لأنَّ القصدَ من الصَّدقة ثَوَابُ الآخرةِ، وقد حَصَلَ. فرعان عن "التتمة":

أحدهما: إذا أبرأ ابْنَه عَنْ دَيْنِهِ، يبنى على أنَّ الابراءَ إسقاط، أو تمليكٌ.

إن قلنا بالأوَّل، فلا رجوعَ، وإلاَّ، ثبتَ الرُّجُوعُ (٣).

الثَّاني: لو وهَبَ مِنْ ولده، ثم مَاتَ الواهبُ ووارثه أبوه؛ لكون الولد مخالفاً في الدّين، فلا رُجُوع للجَدِّ الوارث؛ لأنَّ الحقوق لا تُورَثُ وحدَها، إنَّما تورَثُ بتبعيَّة الأموال، وهو لا يرثُ المال.

أمَّا أنه إلام يرجع، فاعلم أنَّ الموهوبَ، إمَّا أن يكونَ باقياً في سلْطَته المُتَّهِب، أو لا يكون أحد القِسْمَين ألا يكون باقياً في سلطته، فإنْ تَلِفَ في يدَه، أوْ زَال ملكه عنْهُ ببيعٍ أو غَيْرِهِ، فلاَ رُجُوعَ للواهب، ولا له طَلَبُ القيمة، ويلتحقُ به ما إذا وقَف الموهُوب، أو كانَ عَبْداً فكاتبه، أو أمَةً، فاستوْلَدَها، أو رَهَنَ الموهوب وَأقْبَضَه، أو هَبَه وأقْبَضَه، أو وهَبَهُ وحكى الإمام خلافاً في أنَّ الرُجوعَ هَلْ يمتنع بالرَّهْن مبنيّاً عَلَى ما


(١) قال النووي: أصحهما: الرجوع، وبه قطع ابن كج، لثبوت بنوته في لأحكام.
(٢) قال الشيخ البلقيني: إنما يرجع في المتصدق المتطوع به، فأما المتصدق به الواجب في زكاة أو فدية أو كفارة، فلا رجوع للوالد فيه، وكذا لو أرسل إليه لحم أضحية تطوع وهو فقير أو غني، فإنه لا ينبغي أن يرجع؛ لأنه إنما يرجع ليستفيد التصرف، والتصرف في مثل هذا ممتنع، قلته تخريجاً.
(٣) قال النووي في زيارته: ينبغي ألا يرجع على التقديرين والله أعلم، وقد وافقه ابن الرفعة، ووجهه: بأن الدين سقط على كلا التقديرين وشرط الرجوع بقاء العين الموهوبة. ونازعهما بعضهم فقال: وفيما ذكره من المأخذ نظر. ألا ترى أنه لو اشترى بالدين عيناً ثم تلفت قبل القبض انفسخ العقد وعاد الدين على الظاهر. قيل: أما عود الدين عند التلف فصحيح. صرح به الرافعي فقال في آخر الرَّهْن: لو اعتاض عن الدين عيناً ارتفع الرَّهْن لتحول الحق من الذمة إلى العين، ثم لو تلف قبل التسليم بطل الاعتياض ويعود الرَّهْن كما عاد الدين. وأما إن ذلك يقدح في المأخذ الذي ذكره الشيخ محيي الدين وابن الرفعة ففيه نظر لأن الدين عاد بعد زواله.

<<  <  ج: ص:  >  >>