للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبق في صحَّة هِبَة المَرهُون؟ فإن قلنا: لا يصحُّ، لم يصحَّ الرجوع، وإن صحَّحنا، توقَّفنا، فإنِ أنفك الرهْنُ، بأن صحة الرجوع، وذكر أيضاً فيما إذَا كاتَبَ العَبدْ تَرَدُّداً؛ بناءً عَلَى صحَّة بَيْع المكاتَب، ولا يمتنع الرجوعُ بالرَّهْن والهِبَةُ، إذا لم يقترنْ بهما القبْضُ، ولا بالتدبير وتعليق العتق بالصفة، ولا بزراعة الأرْضِ، وتزويجِ الجارَية، ولو أجَّر الموهوب، فكذلك جوابُ الأكثرين، وتبْقَى الإجارةُ بحالِهَا، كالتَّزويج.

وقال الإِمَامُ: إنْ صحَّحنا بيْعَ المستأجر، فللواهب الرُّجُوع، وإن لم نصحِّحه، فإن جوَّزنا الرُّجُوعَ في المرْهُون، وتوقَّفنا ما يكون، فيصح الرجوع، في المستأجر، ولا حاجَةَ إلى التَّوقُّف، بل الرقبةُ للرَّاجع، والمستأجر يستوفى المنفعة إلى انْقِضَاء المُدَّة، وإنْ منَعْنَا الرجُوعَ في المرْهُون، ففِي المستأجر تردُّدٌ؛ لاطِّراد المِلْك فيه، واختصاص حقِّ المستأجر بالمنافع.

وخرج على هذا تردُّد فيما إذا أبَقَ العبْد الموهوب منْ يد المتهب (١)، وهلْ يصحُّ رجوع الواهب، مع قولنا بأن هبةَ الآبِقِ لا تصحُّ؟ لأنَّ الهبةَ تمليكٌ مبتدأ، والرجوعُ بناء، فيسامَحُ فيه، ولو جنَى وتعلَّق الأرش برقبته، فهو كالمرهُون في امتناع الرجوع، لكنْ لو قال: أفْدِيه، وأرْجع فيه، مُكِّن منه، بخلافِ ما لَوْ كان مَرْهُوناً، فأراد أن يبذلَ قيمته، ويرْجِع، لما فيه مِنْ إبطال تَصرَّف المُتَّهِب.

وإذا زال مِلْكُ المتهب، ثم عاد بإرْث أو شراء، ففي عَوْدِ الرُّجُوعِ وجهان، وقال صاحب الكتاب: قولان:

أحدهما: يعود لأنه وجد عين ماله عنْد من له الرجوعُ فيما وهب منه.

وأصحُّهما: المنْعُ؛ لأنَّ هذا المِلْكَ غيْرُ مستفادٍ منْهُ حتَّى يزيله ويرْجِع فيه. واحتجَّ أبو العبَّاسِ الرُّويانيُّ لهذا الوجْه (٢) بأنَّه لو وهَب مِنِ ابنه، فوهبه الابنُ منْ جدّه ثم وهبه


(١) في ذ: المرهون من يد المرتهن.
(٢) لو سلم للروياني ما ذكره في هذا الفرع، ففي صحة الاستدلال نظر كما قاله ابن الرفعة؛ لأن منع ثبوته هنا للأب لكون إثباته مبطلاً لحق غيره، وهو برجوع الجد، وإنما يثبت الرجوع إذا لم يتعلق بالعين حق لغير الواهب كما قاله ابن الصباغ في مسألتنا أن العين لو كانت عادت إليه بالشراء ولم يوف الثمن كان البائع أولى بالرجوع في عينها من الواهب، وبناء الغزالي الخلاف على الأصل الذي ذكره يشهد له فإن الخلاف في أن الزائل العائد كالذي لم يزل أولاً فيما إذا كان العود بجهة لا تتعلق بها عهدة كالإرث والهبة، فأما إن تعلق بها عهدة فالعائد غير الأول قطعاً؛ لأن الأول كان خالياً عن العوض، لكن قضية البحث المذكور أنه لو عادل الملك بالبيع ثم وفي الثمن بعد ذلك لا يثبت الرجوع؛ لأن الملك حين عاد كان غير الأول فلا ينقلب بعد وفاء الثمن إلى الأول، وكلام ابن الصباغ يفهم جريان الخلاف في الرجوع عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>