الجدُّ مِنِ ابن ابنه الموهُوب له أوَّلاً، فإنَّ حَقَّ الرجوعِ للجَدِّ الذي منه حصل هذا المِلْك لا للأب، ولا يبعْدُ أن يحكم القائل الأول بثُبُوت الرجوع لهما جميعاً.
وُيعَبّر صاحب الكتاب عن الخلافِ في المسألة بالقولَيْن، كأنَّهُ يقر بها من مَسَائِل ذِكرَ فيها قولان. وكذلك بناه في "الوسيط" على أصْلٍ قد مرَّ في "البيع" وهو أنَّ الزائلَ العائد كالَّذي لم يزل أو كالذي لم يعد.
وأيْضاً، فإنَّ الرويانيَّ ذكر في "الجُرْجَانِيَّاتِ" أنَّ الخلافَ في أنَّ المِلْكَ الثَّاني، هلْ ينبني على الأوَّل في رجوع الواهب، كالخلاف في عَوْد الطَّلاق والظِّهار والإيلاء؟ ولو وهَب منْه عَصِيراً، فصار خَمْراً؛ ثمَّ عاد خَلاًّ، فلَه الرُّجُوع؛ لأنَّ المِلْكَ الثابتَ في الخَلِّ سببه ملْك العصير، فكأنَّهُ الملْك الأوَّل بعينه. وقد حَكَى بَعْضُهُمْ وجْهَيْن في أنَّ المِلْكَ، هَلْ يزول بالتخمير، ووجهَيْن في عَوْد الرجوع تفْريعاً على القَوْل بالزَّوال فيجوز أنْ يُعْلَمَ لذلك قولُه في الكتاب:"عاد الرجُوع" بالواو، ولا يخفَى أنَّ المرادَ من قوله:"ولو كان خَمْراً ثم عاد خَلاًّ" أي: لو صار الموهُوبُ خمراً، وما أشبهه.
ولو انفكَّ الرهْنُ والكتابةُ بأنْ عجز المكاتَبُ عن أداء النُّجُوم، ثبت الرجُوع؛ لأن المِلْكَ الذي كان لم يَزُلْ.
وحَكَى الإمَامُ عنْ بَعْضِ الأصْحَاب في انفكاك الرَّهْن وجهين مُرَتَّبَيْنِ على الوجْهَيْن فيما إذا زال المِلْكُ وعاد.
وفي "المجرَّد" للقاضي أبي الطيِّب ذِكْرُ وجه في الكتابة أيضاً؛ لأنَّ الكتابةَ تجعله في حُكْم من زال المِلْك عنه، وإذا انفكَّتْ، فكأنَّه حصَل ملْك جديدٌ، فليكن قوله: "وكذا إذا انفكَّ الرَّهْن والكتابة مرقوماً بالواو.
لذلك: ولو أفْلَسَ المُتَّهِب، ثم حَجَر عليه القاضي، فأحَدُ الوجهين أن للواهب الرُّجُوعَ؛ لأن حقَّهُ أسبْقُ منَ الغُرَمَاء، إذِ الرُّجُوعُ يثبت بالهبة، وحقُّ الغرماء يثبت بالحَجَرْ. وأصحُّهُمَا: المَنْعُ، كالمرهون والجاني وبهما يبطُلُ توجيه الأوَّل (١).
ولو ارتد وقلْنا: الردَّةُ لا تزيلُ المِلْك، يثْبُتُ الرجوع، وإنْ قلنا: تزيلُه، فلا رجوعَ، ثمَّ إذا عاد إلى الإسْلاَم، ثبَتَ الرجوع، ومنهم من جعله على الخلاف فيما إذا زال ملْكُهُ، ثم عَادَ. ولو وهَبَ الابْنُ المتَّهِبُ الموهوب لابنه، فهَلْ للجدِّ الرجوعُ تفريعاً على إثْبَات الرجوعُ للجدِّ؟ فيه وجهان:
(١) قال النووي: ولو حجر عليه بالسفه، ثبت الرجوع قطعاً لأنه لم يتعلق به حق غيره، قاله المتولي وآخرون ينظر: الروضة ٤/ ٤٤٣.