وقول وقيل:"ما يَزِيدُ على القيمة ولو بقليل" هذا الوجْهُ لم أرَ روايتَهُ بهذه العبارة لغَيْر صاحب الكتاب، ولا لَهُ إلاَّ في هذا الكِتَاب، والمرويُّ مكانه أنَّ الثوابَ ما يُعَدُّ ثواباً لمثْلِه في العَادَة، ويُشْبِه أن يكونَ هو الذي أرادَهُ، وذهب إلى أنَّ العادةَ تقْتَضِي زيادةً عَلَى قدْر القيمة، فإنَّ المهَدي لو رَضِيَ به، لبَاعَهُ في السُّوق، ويجوزُ إعْلاَمُ هذا الوجّه الأوَّل بالميم، والله أعلم بالصواب.
قَالَ الرَّافِعِيَّ: القِسْمُ الثالث: الهبةُ المقيَّدة بإثباتِ الثَّواب، ولا يخلُو الحَالُ؛ إمَّا أنْ يكون معلُوماً، أو لا يكون.
الحَالةُ الأُولَى: إذا كان معلُوماً، ففيه قولان:
أصحُّهُمَا: صحَّةُ العقْد؛ أمَّا إذا قلنا إنَّ مطلَق الهبَةِ لا يقتضي الثَّوَاب؛ فلأنَّه معاوضةُ مالٍ بمالٍ؛ كالبيع، وأمَّا إذا قلْنا: يقتضيه؛ فلأنَّه إذا صحَّ العقد، والعوض الواجب مجهول، فأولَى أن يصحَّ، وهو معلومٌ.
والثَّاني: أنه باطل، أمَّا إذا اقتضَتِ الهبةَ لثوابَ؛ فلانَّ مقتضاها ثوابٌ غيْرُ معلومٍ، ولا معيَّن بشرط المعْلُوم، والمعيَّن يخالفُهُ، وأمَّا إذا لم يقتضها؛ فلانَّ شرْطَ العِوَضِ يخالف مقتضاها، ولأنَّ لفظ الهبةِ يَقْتَضِي التبرُّع، فالجَمْع بَيْنَهُ وبيْنَ شَرْط العوض مُخِلٌّ به.
والقول الثَّاني: هو الذي أراده صاحِبُ الكتاب بقوله: "وقِيلَ: لاَ يَنْعَقِدُ؛ لتناقُضِ اللفظ". وإذا قلْنا بالصحَّة، فالظاهر أنَّه بيْعٌ؛ اعتباراً بالمعنى، وهذا هو المذكور في الكِتَاب، وبه قطع القاضي أبو حامد فيما حكاه ابْنُ كجِّ عنْه سماعاً وفيه وَجْهٌ آخر أنَّه هبةٌ؛ اعتبارًا باللَّفظ. فإن قلْنا: بهذا لم يثبت فيه الخيارُ والشّفعة ولم يلْزَمْ قبل القبض، وإن قلْنا بالأوَّلْ تثبت هذه الأحكَامُ، وذكروا قولَيْن في أنَّها تثبت عَقِيبَ العَقْد، أو عَقِيبَ القَبْض، وأولهما أظهرُهما، والمرجِعُ بهما إلى التردُّد في كوْنِه بَيْعاً أو هبة.
ولو وهَبَ منْه حُلِيَّاً بشَرْط الثَّواب أو مُطْلَقاً، وقلْنا: الهبةُ تقْتَضي الثَّوابَ، فالحكايةُ عن نَصِّه في حرملة أنه إنْ أثابَهُ قبْل التفرق بجنسه واعْتبرتِ المماثلة، وإن أثابَهُ بَعْد التفرق بعرضٍ، صحَّ، وبالنقْدِ، لا يصحُّ؛ لانَّه صَرْفٌ، وهذا مبنيٌّ عَلَى أنَّ هذا