للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقْدَ بيعٌ. وفي "التتمة" أنه لا بأْسَ بشَيْءٍ منْ ذلك؛ لأنَّا لم نلْحقه بالمعاوَضَاتِ في اشتراط العِلْم بالعِوَض، فكذلك في سائِرِ الشَّرائط، وهذا يُخَرَّج على قولنا: إنَّهُ هبةٌ.

والإمام -قدس الله روحه- حكَى الأوَّل عنِ الأصحاب؛ نقْلاً، وأبدَى الثَّاني احتمالاً، ووَجَّهَهُ بأنَّ باذل الثواب في حُكْم واهبٍ جَدِيدٍ، وكأنه يقابلُ هبة بهبة، ثم زيَّفه بأنَّا لا نشترط في الثَّواب لفْظَ اَلعَقْد إيجاباً وقبُولاً، ولو كانتْ هبة محددة لاشترط، وخرّج على الوجهَيْن ما إذا وهَب الأبُ منْ ابنه بثوابٍ مَعْلومٍ، فإنْ جعلْنا العقد بيعاً، فلا رُجُوعَ له، وإلاَّ، فله الرجوعُ.

وإذا وجد بالثوْب عيْباً، وهو في الذمَّة، طالب بسليم، وإنْ كان معيّناً، رجَع إلى عَيْن الموهُوب، إن كَانَ باقياً، وإلاَّ طالب بقيمته، واستبعدَ الإمامُ مَجِيء الخلافِ في أنَّهُ بيعٌ أو هبةٌ ههنا، حتى لا يَرْجِعَ على التقدير الثاني، وإنْ طرد بعْضهم، وإذا جعلْنَاه هبةً، فكافأه بما دُون المشْرُوط، إلاَّ أنَّه قريبٌ منه، ففي شرْح القاضي ابن كجٍّ وجهان في أنّه، هل يُخْبَرُ على القَبُول؛ لأنَّ العادةَ فيه المسامحةُ؟ (١).

الحالُ الثانيةُ: إذا كان الثَّوابُ مجهولاً، فإنْ قُلْنا: الهبةُ لا تقْتَضِي الثَّوابَ بَطَلَ العَقْدُ؛ لتعذُّر تصحيحه بَيْعاً وهبةً.

وإن قلْنا: إنَّها تقتضِيه، صحَّ، وليْسَ فيه إلاَّ التصريحُ بمقتضىَ العَقْد، هذا ما أورده الأكْثَرُون، وحَكَى صَاحِبُ الكتاب وجْهاً آخر؛ أنَّهُ يَبْطُل؛ بناءً على أنَّ ذكْر العوض يلحقه بالبَيْع (٢)، وإذا كان بَيْعاً، وجب أنْ يكون العِوَضُ معْلُوماً.


(١) قال النووي: والأصح أو الصحيح: لا يجبر.
(٢) فيه أمران:
أحدهما: قضية التعليل اختصاص ذلك بما إذا كانت الهبة من الأعلى أو المساوي، فإن كان الواهب أعلى من الموهوب له لا يصح. قال ابن الرفعة: ولم أر من تعرض له ولعلهم تركوه لخروجه.
الثاني: أن الغزالي لم ينفرد بالوجه، فقد قال في البحر تفريعاً على انتفاء الثواب، ولو شرط الثواب على هذا القول، فإن كان مجهولاً جاز قولاً واحدًا والحكم فيه كما لو أطلق لأنه شرط ما هو مقتضى العقد.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: فيه قولان والصحيح أنه لا يجوز لأنه يصيركالبيع بثمن مجهول. وهذا غلط. انتهى.
فحصل طريقان أصحهما القطع بالبطلان، وفيما قاله نظر في الاستذكار للدارمي؛ فإن قيل يقتضي الثواب فشرطه معلوماً صح، وإن شرطه مجهولاً قال القاضي أبو حامد عن القديم: يجوز، وقيل: لا يجوز حكاه أبو ثور، وقال ابن كج في التجريد: إن كان عوضاً مجهولاً وقلنا: لا يقتضي الثواب، ففي الصحة قولان. قال عن القفال في التقريب الذي أجاب به =

<<  <  ج: ص:  >  >>