للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى كتمانِها، فإنْ فَعَلَ فسيأتي الكلامُ فيه. وقولُه في الكتاب: "وإنْ عَلِمَ الخيانةَ فمحرَّم" (١) يخالف ما أطْلَقَه الأكثرون منْ الكراهة، ويوافقُ قوله في "الوسيط" أنَّ الفَاسِقَ لا يجوزُ له الأَخْذُ، وأنَّه قدَّر أنَّ قَوْلَهُ: "وإنْ عَلِمَ الخيانَةَ فيمَنْ هو أمينٌ في الحال، لكنَّهُ يعْلَمُ أنَّهُ لو أخَذَ، لخَانَ وَفَسَق، فالحكمُ بالتَّحْرِيم أبْعَدُ. وقولُه قبله: "والأصَحُّ أنَّه ليس بواجبٍ" يجوز أنْ يُعْلَمَ بالواو؛ إشارةً إلَى قَوْلِ مَنْ قطَع بنَفْيِ الوُجُوبِ، وقولُه: "فمستحبٌّ" بالميم والألف؛ لأنَّ الحكايةَ عن مالكٍ وأحمد -رحمهما الله- كراهة الالْتِقَاط. الثانيةُ: في وُجُوبِ الإشهاد على اللُّقَطَةِ وجّهان، ويُقَالُ: قولان:

أظْهَرُهُمَا: وبه قَالَ مالكٌ وأحَمَدُ -رحمهما الله- أنَّهُ لا يجِبُ كما لاَ يجبُ الإشْهَادُ على الوديعة، إذا قَبِلَهَا؛ لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يَأْمُرْ بِهِ في حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رَضِيَ اللهُ عنه-. والثاني: وبه قال أبو حنيفة -رضي الله عنه- أَنَّهُ يَجِبُ الإشْهَادُ؛ لما رُوِيَ عَنْ عِيَاضِ ابْنِ حِمادٍ -رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ عَلَيْهَا ذَا عَدْلٍ أو ذَوَي عَدْلٍ" (٢). ومَنْ قَالَ بالأوَّل، حَمَلَه عَلَى الاستحباب، ورُبَّما احتجَّ به للاستحباب مِنْ حيثُ إنَّه لو كان الإشهادُ واجباً، لمَا خيَّر بَيْنَ الوَاحِد والاثنين، ثم في كيفيَّة الإشهاد وجهان:

أحَدُهُمَا: يُشْهِدُ عَلَى أصْلِهَا دُونَ صِفَاتِهَا؛ لِئَلاَّ ينتَشِرَ، فيتوَّسَل بها الكاذِبُ، إنِ اكْتَفَيْنَا بالصِّفَة، وبمواطأَة الشُّهود، إنْ أحَوجَنَا إلى البينةِ، وهذا أصَحُّ عندَ صَاحِب "التهذيب"-قال: ويجوزُ أنْ يَذْكُرَ جِنْسَهَا.


(١) وهو يقتضي تفرد الغزالي بالتحريم وليس كذلك بل هو ظاهركلام جمع من العراقيين منهم سُليم في المجرد والشيخ نصر المقدسي في تهذيبه حيث قالوا: لم يكن له أخذها، وظاهر كلامهم أنه يصح التقاطه، ولكن الأخذ مع ذلك حرام، وحكى ابن الرفعة عن القاضي أبي الطيب أنها كراهة تنزيه، وفي ابن يونس التحريم. وقال القاضي حسين والفوراني: إن جواز أخذه مبني على أن أحكام اللقيط تثبت له أم لا؟ فإن قلنا تثبت له كره له الأخذ وإلا فلا يجوز له الأخذ، لكن سليم -من العراقيين- صرح بثبوت الأحكام مع أنه قائل بالتحريم، وحاول ابن الرفعة أخذه من النص قال: وكيف لا يصار إلى التحريم، وقد حكى الإمام وغيره وجهاً أن غير الخائن إذا كان لا يأمن الخيانة يحرم عليه الأخذ ولم يقيد ذلك بشيء ولا يرد عليه ما ذكره القاضي وغيره من تخريجه على ثبوت الأحكام لأنا نقول: قد يكون الفعل محرماً ويثبت الملك كما في المحرم يصطاد فحكم بالملك على وجه مع أنه حرام.
(٢) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان به، وزيادة: ثم لا يكتم ولا يغيب، فإن جاء صاحبها فهو أحق بها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء، ولفظ البيهقي: ثم لا يكتم وليعرف، ورواه الطبراني وله طرق، وقال الحافظ في التخليص: وفي الباب عن مالك بن عمير عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في الذيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>