للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويختلفُ حكْمُهُ في الأمانةِ والضَّمان] (١) بِحَسَب قَصْدِ الآخذِ، وَلَهُ أَحوالٌ:

إحداها: أنْ يَأْخذَهَا ليحفظها أَبَداً، فَهِيَ أمانةٌ في يدِهِ، وَلَوْ دَفَعها إلى الحاكِم، لَزِمَه القَبُولُ؛ بخلافِ الوديعةِ، لا يَلْزَمه القبولُ على أحد الوجْهَيْن (٢)؛ لأنَّه قادر على الرَّدِّ إلى المَالِكِ، وكذَا مَنْ أخَذَ، للتَّملُّكِ، ثمَّ بَدَا لَهُ، ودَفَعَها إلى الحاكِم، يلزَمُه القَبُولُ، وهَلْ يجبُ التعريفُ، إذا قَصَدَ الحِفْظَ أبداً؟ فيه وجهان مذْكُورانِ من بعْدِ فإنْ لم يجِبْ، لم يضمنْ بتركه وإذَا بَدَا له قَصْدُ التملك، عَرَّفَهَا سَنَةً من يومئِذٍ، ولا يُعْتَدُّ بما عرَّف من قَبْل، وَإِنْ أوجبناه، فهو ضَامِنٌ بالترك (٣) حتى لو ابتدأ بالتعريف بعد ذلك، فهَلَكَ في سَنَةِ التعريفِ، ضَمِنَ.

الثانية: أنْ يَأْخُذَ عَلَى قَصْدِ الخيانَةِ والاختزال، فيكُون ضَامِناً غاصِباً، وفي براءتِهِ بالدَّفْع إلى الحاكم وجْهَان، كما في الغاصب فلو عَرَّف بعد ذلك، وأراد التَّملُّكَ، فجَوَابُ أكثرِهِم، وبِه قَطَعَ الشيخ أبو محمَّد؛ أنَّه لا يُمَكَّنُ منْه، كما أنَّ الغاصِبَ ليَسَ له التَّمَلُّكُ، وعنْ روايةِ الشَّيْخِ أبي علي وجْهَان: هذا أَحَدْهُما.

والثانى: أنَّ لَه التَمَلُّكَ؛ لوجُودِ صُورة الالتقاط والتَّعْريف.

الثالثة: أن يَأْخُذَها؛ ليُعَرِّفَها سَنَة ويتملَّكَهَا بعْد السَّنةِ، فهِيَ أمانةٌ في السَّنَةِ، وأمَّا بعدَ السَّنَةِ فقد ذكرَ صاحبُ الكتَاب أنَّها تصِيرُ مضمونةً علَيْه، إذا كان عزم التملك مُطَّرِداً، وإنْ لم تجر حقيقُته؛ لأنَّهُ صَارَ مُمْسكًا لنَفْسِه، فأشبَه المُسْتَامَ، ولا يخفَى أَوَّلاً أنَّ هذا مَبْنِيٌّ عَلَى أنَّ اللُّقَطَةَ لا تُمَلَّكُ بمضيِّ السَّنَةِ، فإنْ قلْنا: تُمَلَّك فإن تَلَفتْ تلفتْ منْه لا محالةَ، ثم لم يوافقْهُ النَّقَلَةُ عَلَى ذلك، بل صرَّح، ابْنُ الصَّبَّاغ وصاحبُ "التهذيب" بخلافِه، وقالوا: إنَّها أمانةٌ، إذا لم يختر التملُكُ قصْداً، أو لفظًا إذا اعتبرْنا اللَّفظَ، كما كانَتْ قَبْل الحَوْل، نعم، إذا اختار، وقلْنا: لا بدَّ من التصرُّفِ، فحينئذ يكون مضموناً علَيْه؛ كالقرض، وقد يُعْتَرَضُ عَلَى ما ذكره من التوجْيه؛ بأن قد تَغَيَّر القَصْدُ إلى الحفظ ما لم يتملك، فلا يكونُ ممسكاً لنَفْسِه، ولو كان قَصْدُ التَّملُّك يجعله ممسكًا لنَفْسه، لزم أن يكونَ الذي لا يَقْصِد بالتَّعْريف إلا تحقيقَ شَرْطِ التملُّكِ مُمْسِكًا لنَفسِهِ في مدةِ السَّنَة أيضاً، وإذا أخَذَ عَلَى قَصْدِ الأمانةِ، ثم قَصَدَ الخيانةَ، فأصحُّ الوجْهَيْن أنَّه لا يَصِيرُ المالُ


(١) سقط في: ب.
(٢) قال في الخادم: قضيته أنه لا يجب هنا إشهاد ولا إعلام القاضي لكن سبق في الكلام على الإشهاد ما يخالفه، وما أطلقه من الدفع إلى الحاكم محله في الآمين -فإن لم يكن فدفعه إليه كان ضامناً قطع به القفَّال في الفتاوى، وهو ظاهر، ومقتضى تخصيص الرافعي الدفع إلى الحاكم عدم مجيئه في غيره، وقد حكاه فيما بعدُ عن ابن كج وبه صرح القفَّال في فتاويه. انتهى.
(٣) كذا أطلق وهو ظاهر فيما إذا تركه بغير عذر، فإن رأى المصلحة في الترك فلا وجه للتضمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>