للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضْموناً علَيْه بمجرَّد القصْدِ كالمودع. ووجه الثاني: أنَّ سبَبَ أمانَتِهِ مجرَّدُ نيَّتِهِ، وإلاَّ، فَأَخْذُ مالِ الغَيْرِ بغيرِ رضَاهُ ممَّا يقتضِي الضَّمَانَ؛ بخلافِ المودَع، فإنَّه مُسلَّطْ مُؤْتَمَنٌ من جهةِ المالِك، عَلَى أنَّ في المُودَعِ -أيضًا- وجْهًا أنَّهُ يضْمَنُ بمجرَّد القَصْدِ، وقدْ ذكَره في الكتابِ في باب "الوَدِيعةِ". ويجوزُ أنْ يُعْلَمَ؛ لذلك قولُه هاهنا: "لا يُؤَثِّرُ" بالواو.

وإذا قلْنا بالظَّاهِر، فلو أخَذَ الوديعةَ عَلَى قَصْدِ الخيانةِ في الابتداء، ففي كونِه ضَامِناً وجهان، ومهْمَا صَار المُلْتَقِطُ ضامِناً في الدَّوام، إمَّا بنفسِ الخيانةِ، أو بقَصْدِها، ثم أقُلَعَ وأرادَ أن يُعَرَّفَ، ويتملك، فوجهان:

أحدهُمَا: المَنْعُ؛ لأنَّهُ صار مَضْموناً علَيْه بتعدِّيه، والأمَانةُ لا تَعُودُ بترك التعدِّي.

ووجهُ الثاني: أنَّ التقَاطَهُ في الابتداء وقع مُفِيداً للتملُّك، فلا يَبْطُلُ حُكْمُه بتَفْرِيطٍ يطرأ، وهذا أصَحُّ عند صاحب "التهذيب"، لكنَّ إيراد، الكتابِ يُشْعِرُ بتَرْجِيحِ الأوَّل، وَيؤيَّدُه أَنَّهم شَبَّهوا الوجْهَيْن فَي المسألَة بالوجْهَيْن فيما إذا أنشأ سَفَراً مُبَاحاً، ثمَ غَيَّر قَصْدَه إلَى معْصِيَةٍ، هل يترخص؟ ومَيْلُ الأصحابِ إلى منع الترخص أشدُّ، وقد خَطَر فيما ذكروه من التشبيه بحثانِ:

أحدهما: أن الوجْهَيْنِ في أنَّه، هَلْ يترخَّصُ مفروضان فيما إذا كَانَ مُقِيماً على قَصْد المعْصِيَةِ، فأمَّا إذا طرأ قصْدُ المَعْصِيَةِ، ثم تاب، يثبت الترخص، سواءٌ اعتبَرْنَا الحال أو ابتداءَ السَّفَر، والوجهان هاهنا فيما إذا تَرَكَ الخيانةَ، وأراد التعريفَ والتملُّكَ، فلا يتَّضِحُ التشبيهُ.

الثاني: قضيَّة هذا التَّشْبِيه ثبوت الخلافِ في عَكْسِه، وهو أنْ يقصد الخيانَةُ، ثم يتركه، ويُرِيدَ التملُّكَ، كما رواه الشَّيْخُ أبو عليٍّ؛ تشبيهاً بما إذا أنشأ السفَرَ عَلَى قصْد المعْصِيَة، ثم تابَ، لكنَّ الظاهرَ ثُبُوتُ الرُّخْصَة من حِينئِذٍ، وهاهنا اتَّفَقُوا عَلَى أنَّ الظَّاهِرَ أنَّه لا يتملَّك. وقوله في الكتابِ: "لأنَّ التَّحْريمَ لم يَتَمَكَّنْ من عَيْنِ السَّبَب، إِنَّمَا المُحَرِّمُ القَصْدُ، معناه أن سبَبَ التمكن هُو الالتقاطُ، والتعريف غيرُ محرِّم، وإنَّما المُحَرِّمُ ما قصده ولم يتصلْ بقصده تحقيق، وهذا التوجيهُ مخصُوصٌ بما إذا كان الطَّارِئُ قَصْدَ الخيانةِ، لا نَفْسُ الخيانة، ولصاحِب الوَجّهِ الأوَّلِ أنْ يَمْنَعَ ذلك، وَيقُولَ قَصْدُ الخيانةِ يكْسُو الإمساك صفَةَ العُدْوَان كما في الابتداء.

الحالةُ الرابعةُ: أنْ يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ، ولا يَقْصِدَ خيانةِ ولا أمانة فلا تكون مضمونةً علْيه، وله التملُّكُ بَشْرطه.

قال الإِمَامُ: وكذا لو احتمر أَحَدَهُمَا، ونَسِيَ ما أضْمَرَهُ، [والله عَزَّ وَجَلَّ أعْلَمُ].

قَالَ الغَزَالِيُّ: الحُكَمْ الثَّانِي: التَّعْرِيفُ، وَهُوَ وَاجِبٌ سَنَةً عَقِيبَ (ح) الالْتِقَاطِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>