قَالَ الرَّافِعِيُّ: من حَقِّ المُلْتَقِطِ أن يَعْرِفَ وُيعَرَّفَ إمَّا أنْ يَعْرِفَ فينبغِي أنْ يَعْرِفَ مِنَ اللُّقَطَةِ عِفَاصَها وَوِكَاءَهَا عَلَى مَا وَرَدَ في الخبر المذكُور في أوَّل الكتاب.
والعِفَاصُ: الوِعَاءُ من جلْدٍ وخِرْقَةٍ وغيرِهما، وتُسَمَّى الجِلْدَةُ التي تَلْبَسُ رَأْسَ القَارُورَةِ العفاص والوِكَاء: هو الخَيْطُ الَّذي يُشَدُّ به، ويَعْرِفَ أيضاً جِنْسَها؛ أذَهَبٌ هِيَ أم فِضَّةٌ أم ثيابٌ؟ وِصِفَتَهَا أهَرَويَّةٌ هي أم مَرْوِيةٌ؟ وَقَدْرَهَا بِوَزْنٍ أَوْ عَدَدِ وإنَّما يَعْرِفُ هذه الأمُورِ؛ لِئَلاَّ تَخْتَلِطَ بمالِهِ، وَيَسْتَدِل به عَلَى صِدْقِ الطَّالب، إذا جاء، ويُسْتَحَبَّ تَقْييدُهَا بالكتابة. وأمَّا أن يُعَرِّف، ففيه مسائلُ:
إحداها: يجب تعريفُ اللُّقَطَة سَنَةً؛ لقَوْله -صلى الله عليه وسلم- "عَرِّفْهَا سَنَةً".
وليس ذلك بمَعْنَى استيعاب السَّنَةِ، بل لا يُعَرِّفُ في اللَّيَالي، ولا يَسْتَوْعِبُ الأيَّامَ أَيْضَاً، بلْ على المُعْتَادِ، فيعرِّف فَي الابتداء في كلِّ يوْمٍ مَرَّتَيْنِ في طرَفَيِ النَّهار، ثم في كلِّ يَوْمٍ مَرَّة، ثم في كلِّ أسْبُوع مرَّةً أو مرتَيْنِ، ثم في كلِّ شَهْرٍ، بحَيْثُ لا ينْسَى أنَّهُ تكْرَارٌ لما مضَى. وفي وجوبِ المُبَادرة إلَيْه وجهان عن رواية الشيخِ أبي عليٍّ:
أحدهما: يجِبُ؛ لأنَّ العُثُورَ على المَالِكِ في ابتداءِ الضَّلاَلِ أقربُ.
والثاني: لا يَجِبُ، بل المُعْتَبَرُ تعريفُ سَنَةٍ مُطْلَقاً، وبه ورَدَ الأَمْرُ، وهذا أَشْبَهُ بما أورده المُعْظَمَ. وقولُهُ في الكتاب:"عقِيبَ الالْتِقَاط" ظاهرُه يُفْهِم الجوابَ بالوَجْه الأوَّلِ، وبتقديرِ أنْ يكون كذلك، فَلْيَكنْ مُعْلَمَاً بالواو لكنْ يشبه أنَّهُ ما أراد ذلك؛ لأنَّه قال في "الوَسِيط": وقْتَ التَّعْرِيف عَقِيبَ الالْتِقَاط، إن عزم على التَّمَلُّكِ بَعْدَ سَنَةٍ، وإن لم يعزم علَيْه أصلاً، أو عزمَ بعد سنين فهل يلزمُه التعريف في الحال؟ وجهان، وعلى هذا، فالمعْنَى؛ وهو واجبٌ سنةً عَقِيبَ الالْتِقَاطِ، إن عزمَ على التملُّكِ بعْد سَنةٍ من وقْتِ الالتقاطِ، وهلْ يجوزُ تفريقُ السَّنَةِ بأنْ يُعَرِّفَ شهْرَيْنِ، ويتركَ شهْريْنِ وهكذا؟ فيه وجهان: