للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأَكَلَ، ففي وجوبِ التَّعريفِ بعْدَه وجهان:

أصحُّهُمَا: الوُجُوبُ، إذا كان في البَلَد، كما أنَّه، لو بَاع، يُعَرِّف، وإذا كان في الصَّحْراء قال الإمامُ: الظَّاهرُ أنَّه لا يجب؛ لأنَّه لا فائدةَ فيه في الصَّحْرَاءِ، وإذَا تأخَّر بعد العُثُور علَى المستحِقِّ، وهلْ يجِبُ إفراز القيمةِ المَغْرُومةِ منْ ماله؟ فيه وجهان -ويُقَالُ: قولان:

أظْهَرُهُمَا: لا؛ لأنَّ ما في الذمَّة لا يُخْشَى هلاكُه، وإذَا أفْرَز، كان المُفْرَزُ أمانةً في يده، وربَّما احْتُجَّ له بالقياسِ علَى ما إذا أكلَ الشَّاةَ؛ حَيْثُ لا يجبُ إفرازُ القيمةِ؛ لأنَّ هناك طَرِيقَةً قاطعةً بالمنْعِ.

والثاني: أنَّهُ يَجِبُ احْتِيَاطاً لصَاحِب المالِ؛ لتَقَدُّم صاحِبِ المالِ بتلْكَ القيمةِ، لَوْ أفْلَسَ المُلْتَقِطُ، وَعلَى هذا، فالطَّريقُ أن يرفَع الأَمْرَ إلَى الحاكِم؛ ليقبضَ عنْ صاحِبِ المال بالقيمة؛ فإنْ لم يَجدْ حاكماً، فهلْ للملْتَقِطِ بسلطان الالْتَقاطِ أن يُنِيبَ عنه؟ فيه احتمالٌ عند الإمام، وذكر أنه، إذا أَفْرَزَهَا، لم تصِرْ مِلْكاً لصاحبِ المالِ، لكنه أَوْلَى بتملُّكها، وبمثله أجاب المُصَنِّف في "الوسيط"، لكنَّه، لو كان كَذَلِكَ، لَمَا سَقَطَ حقُّه بهَلاَك القيمةِ المفرزة، وقد نَصُّوا على السُّقُوطِ، وأيْضاً نصُّوا على أنَّه إذا مضَتْ مُدّةُ التعريفِ، فله أن يتملَّكَ تلك القيمةَ، كما يتملَّكُ نَفْسَ اللُّقَطَةِ، وكما يتملَّكُ الثَّمَنَ، إذَا باع الطَّعَامَ، وهَذا يقتضِي صَيْرُورَتَهَا مِلْكاً لصاحبِ اللُّقَطَةِ.

وإذا اختلفت القيمةُ يَوْمَ الأخْذُ، ويوم الأَكْل، ففِي بعض الشُّرُوح أنه، إن أخَذ للأكل اعتبرت قيمته يوم الأخذ، وإن أخذ للتعريف اعتبرك قيمته يوم الأكل، وإذا اختار البيع ففِي الحاجَةِ إلَى مُرَاجعةِ الحاكم ما مَرَّ في بَيْع الشَّاة.

الضَّرْبُ الثانِى: ما يُمْكِنُ إبقاؤُه بالمُعَالَجَةِ والتَّجْفِيف، فإن كان الحظ لصاحبِهِ في بَيْعِهُ رُطَباً، بِيعَ، إلاَّ، فإنْ تَبَرَّعَ الواجدُ بالتجفيف، فذاك، وإلاَّ بِيْعَ بعضُه، واتَّفَقَ علَى تجفيف الباقي.

ويخالفُ الحيوان حيْثُ يُبَاعُ جميعُه؛ لأنَّ النَّفقَةَ تكَرَّرُ، فيؤدِّي إلَى أنْ يأكلَ نَفْسَه، وهذا الضَّرْبُ الثَّاني لم يوردْهُ صاحبُ الكتابِ.

وقولُه: "من التقطَ طعاماً، فلْيَأْكله (١) ... " الحديثُ بهذه اللُّقَطَةِ لا ذِكْر له في الكُتُب، وإنَّما الذي يُرْوَى ما قدَّمناه. والأكثرونَ لم يَرْوُوا في الطعام حديثاً، وإنَّما اقْتَبَسُوا حكمِهُ من الأحاديثِ المَنْقُولةِ في ضَالَّة الغنمِ، وصاحِبُ الكتابِ عَكَسَ القضية،


(١) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>