للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجَعَلَ الحَدِيثَ في الطَّعَام أَصْلاً، ثم قال: وفي مَعْنَاه الشَّاة.

وقوله: "فإنَّها طعامٌ" -أي: هِيَ في حُكْمِهِ، وقريبةٌ منه، ولذلك جاز التَّبَسُّطُ فيها في دَار الكُفْرِ جَوَازَهُ في الأطعمة. وقوله: "في الجَحْشِ وَصِغَارِ الحَيَوَانَاتِ الَّتي لا تُؤْكَل فقيل: لاَ يَلْتَحِق بالشَّاة" أي: في جواز التملُّك قبل التعريف، فإنَّ الشَّاةَ تُتَمَّلكُ وتُؤْكَلُ.

وقوله: "فقد قيل يبيعه". أي: يتدرَّج إلَى بَيْعِه علَى ما يقتضيه الحَالُ من الظِّفَرِ بالحَاكم وعَدَمِه. وقوله: "وُيعَرِّفُ ثَمَنَهُ" هكذا هو في لَفْظ الكتَاب، لكنَّ المَعْرُوفَ باتِّفافِ الأصحاب هُوَ المَبِيعُ دُون الثَّمَنِ، كما أنَّه إذا أكَل، يُعَرَّف المأكول دون القيمة، أفرزها -أو لم يُفْرِزْهَا-.

ولذلك جَعَل بعضُهم، وُيعَرِّفه لثمنه؛ ليتملَّك الثَّمَنَ بعْد التعريف:

وقوله: "وقيل بخِلاَفِهِ" يعني أي: لا يتعيَّنُ البَيْعُ، ويجوزُ الأَكْلُ كما لو وُجِدَ في الصَّحْرَاء.

واعْلَمْ أنَّ قولَه في أوَّل الفصل السابق: "ثم وجُوب التعريف سَنَةً في مال كثير لا يفسد" يجوزُ أن يرادَ به اعتبارُ ثلاثةِ أُمُورٍ في التَّعْريفِ سنةً؛ وهي كونُهُ مالاً، وكثيراً، وغَيْرَ فَاسِدٍ، لكنَّه لم يفصل (١) ذلك، وإنَّمَا قَصَدَ اعتبارَ أمرَيْن: الكثرةُ، وعَدَمُ الفَسَادِ، على ما شرَحْناه. ولو أنَّه قَصَدَ الأوَّلَ لقال: أمَّا الذي لا يُتَمَوَّلُ، فلا يُعَرَّفُ، وأمَّا القليلُ مما يُتَمَوَّل، فَيُعَرّف مَرَّةً أو مرَّتَيْنِ، هذا، وخطُّ الحقيقةِ لا يَخْتَلِفُ، [والله أعلم].

قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ: التَّمَلُّكُ وَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ مَضِيِّ المُدَّةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ مضِيِّ السَّنَةِ إِذَا تَقَدَّمَ القَصْدُ، وَقِيلَ: لاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ القَصْدِ، وَقِيلَ: لاَ بُدَّ من لَفْظٍ أيْضاً، وَقِيلَ: لاَ بُدَّ من تَصَرُّف أيْضاً مُزِيل لِلْمِلْكِ كمَا في القَرْضِ، أَمَّا لُقْطَةُ مَكَّةَ فَلاَ يَتَمَلَّكُهَا (ح م) لِقَوْلهِ -صلى الله عليه وسلم-: لاَ يَحِلُّ لُقَطَتهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، مَعْنَاهُ عَلَى الدَّوَامِ وَإِلاَّ لَمْ تَظْهَرْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُمْلِكُ كَسَائِرِ البِلاَدِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: من أحكامِ اللّقَطَةِ جَوَازُ التَّمَلُّكِ بعْد التَّعْرِيف، ولا فَرْقَ بين أن يَكُونَ الملتَقِطُ غَنِيّاً أو فقيراً.

وعنْد أبي حَنِيفة-رضي الله عنه- من لا تحِلُّ له الصدقةُ لا يجوزُ له التملُّكُ والارتفاقُ باللُّقَطَة، ولكنَّه، إنْ شَاء، حَفِظَها للمَالِك، وإنْ شاء، تَصَدَّقَ بها.

ومَنْ يحل له الصَّدَقةُ، إنْ شاء، تَمَلَّكَهَا، وارتفقَ بها ويكونُ متصدِّقاً على نفْسِه،


(١) في ذ: يقصد.

<<  <  ج: ص:  >  >>