للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ شاء، تصدَّق بها علَى غيرِه، وإنْ شاء، حَفِظَها للمَالِك، ومهْما تصدَّقَ بها، ثمَّ جاء المالِكُ، فهو بالخيار بَيْن أن يجيز صَدَقَتَه وبين أن يغرمه، ويكونُ ثوابُ الصَّدقةِ للملْتَقِطِ. وعنْ مالك -رضي الله عنه-: أنَّهُ يجوزُ للغَنِيِّ تملُّكُ اللُّقَطَةِ، ولا يجوزُ للفَقِير. لنا: قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وإلاَّ، فَشَأْنَكَ بِهَا" (١). ولم يَفْرِقْ بين الغنىِّ والفقير.

ورُوِيَ أنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْب -رضي الله عنه- وجَدَ صُرَّةً فِيهَا دَنَانِيرُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ -فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَعَرَفَ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِلاَّ، فَاَسْتَمْتِعْ بِهَا" (٢). وكانَ أُبَىٌّ -رضي الله عنه- عنده من المَيَاسِير.

وفي الفصْل مسأَلَتانِ:

إحداهما: مَنِ التقَطَ للتملُّكِ، وعَرَّف، ففِيهِ وجهان:

أحدُهُمَا: أنَّه يملكُ بمجرَّدِ مُضِيِّ السَّنَةِ؛ لِمَا رُوِيَ أنَّ رَجُلاً قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجِدُ في السَّبِيل العَامِر مِنَ اللُّقَطَةِ؟ قال: "عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ، فَهيَ لَكَ" (٣). وأصحُّهُمَا: أنَّه لا يملكُ ما لم يَخْتَرِ التملُّك؛ لَقولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَشَأْنَكَ بِهَا" (٤) فوَّض الأمْرَ إلَى خِيرَتِهِ. وعلى هذا، فثلاثةُ أوجُهٍ:

أحدُها: أنَّه يَكْفِيهِ تَجْديدُ قَصْدِ التملُّكِ، ولا حاجةَ إلى اللَّفظ لأن لفْظَ التملُّكِ، إنَّما يُعْتبر حَيْثُ يكون هنَاكَ إيجابٌ. وأصحهما: أنَّه لا بد من قوْله: تَمَلَّكُتُ، وما أَشْبَهَهُ؛ لأنَّه تملّكُ مالٍ بَبَدِل، فافتقر إلَى اللَّفْظ؛ كالتملُّك بالشِّراءِ.


(١) تقدم.
(٢) قال الحافظ في التلخيص: متفق على المتن من حديث أبي، والسياق لمسلم وفيه: تعيين الدنانير أنها مائة، وفيه أنه أمره أن يعرفها حولاً ثم أتاه فأمره أن يعرفها حولاً ثلاثاً وفي رواية لمسلم: عامين أو ثلاثاً وفي رواية لهما قال شعبة: سمعت سلمة بن كهيل يقول بعد ذلك عرفها عاماً واحداً، وفي رواية: عامين أو ثلاثاً، قال البيهقي: كان سلمة يشك فيه ثم ثبت على واحد، وهو أوفق للأحاديث الصحيحة.
قوله عقب هذا الحديث: وكان أبي من المياسير، هذا حكاه الترمذي عقب حديث أبي عن الشَّافعي قال: وقال الشَّافعي: كان أبي كثير المال من مياسير الصحابة، انتهى. وتعقب بحديث أبي طلحة الذي في الصحيحين حيث استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في صدقته فقال: اجعلها في فقراء أهلك، فجعلها أبو طلحة في أبي بن كعب وحسان وغيرهما، ويجمع بأن ذلك كان في أول الحال، وقول الشَّافعي بعد ذلك حين فتحت الفتوح.
(٣) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(٤) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>