وثالثُها: أنَّه لا يُحْكَمُ لَهُ بالمِلْك ما لَم يتصرَّف فيه تخْريجاً من القرض، فإنَّ التصرَّف باللقطة كالاسْتقْرَاضِ، وعلَى هذا، فيُشْبِه أن يجيء الخلافُ المذكورُ في القَرْضِ في أن المِلْكَ بأيِّ نَوْع منَ التَّصَرُّفِ يَحْصُل. وإنَّ قَوْلَه في الكتابِ "لا بُدَّ من تَصَرُّفٍ أيضاً" مزيلً للملِك جوابٌ بالوجه الأظهر من ذلك الخِلاَف.
الثانية: في لُقَطَةِ "مكَّة" وحَرَمِها قولان:
أظْهَرُهُمُا: أنَّه لا يَجُوزُ أخذُها للتملُّك، وإنما تُؤْخَذُ للحِفْظِ أَبَداً؛ لما رُوِيَ أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"إِنَّ هَذَا، الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنْفَرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا"(١) وُيرْوَى: "لاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إِلاَّ لِمُنْشَدٍ" أي لمُعَرِّفٍ، والمعْنَى عَلَى الدَّوام، وإلاَّ، فالحكمُ في سَائِر البِلاَدِ كَذَلك، فلا تظْهَر فائدةُ التَّخْصِيصِ، والمعنى فيه أنَّ مكَّةَ مثابةٌ للنَّاسِ يعُودُون إلَيْها مَرَّةً بَعْد أُخْرَى، فربَّما يعود مَنْ أضلهَا، أو يبعث في طلبها.
والثَّاني: أنَّهَا كَلُقَطَةِ سَائِرِ البِقَاع، والمرادُ من الخَبَرِ أنَّهُ لا بُدَّ من تَعْرِيفهِا سَنَةً، كما في سائر البلاَدِ كيْلا يُتَوهَّم أن تَعْرِيفَهَا في المَوْسِمِ كافٍ لكَثْرَةِ النَّاسِ، وبعد العَوْدِ في طَلَبها من الآفَاقِ.