للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَقُّ (١). ولو كانا يتماشَيَان، فرأَى أحدُهُمَا اللُّقَطَةَ، فأخبر بها الآخَرَ، فأخذها، فالآخذ أولَى، ولو أراه اللُّقَطَةَ، وقال هاتِهَا، فأخذها لِنَفْسِهِ، فكذلك، وإنْ أخَذَها للآمِرِ أو لنفسِهِ، فعَلى الوجهَيْن في جواز التَّوْكِيل بالاصطياد ونحوه.

ومَنْ رأَى شَيْئاً مَطْرُوحاً على الأَرْضِ، فدفعه بِرِجْلِهِ؛ ليعرفَ جِنْسَه أو قدْرَه، ثم لم يأخُذهُ حتَّى ضاعَ، لم يَضْمَنْه؛ لأنَّه لم يَحْصُلْ في يده، قاله في "التتمة".

وإذا دفَعَ اللّقَطَةَ إلى الحاكم، وتَرَكَ التَّعْرِيفَ والتَّملْكَ، ثُمَّ نَدِمَ، وأراد أن يُعَرِّفَ وَيتَمَّلكَ، ففِي تَمْكِينِهِ وجْهَان، حكاهما القَاضِي ابنُ كَجٍّ (٢). وفي "المُهَذَّب": أنَّه إِنْ وَجَدَ خَمْراً، أراقَهَا صاحِبُها، لم يَلْزَمْهُ تَعْرِيفُهَا؛ لأنَّ إراقتَها مُستَحَقَّةٌ.

فإن صارَتْ عنده خَلاًّ، فوجهان:

أحدُهُما: أنها لمن أرَاقَها كما لو غَصَبَها، فصَارَتْ خَلاًّ عنده.

والثاني: أنَّهُ للوَاجِدِ؛ لأنَّ الأَوَّلَ أسْقَطَ حَقَّهُ منْها، بخلافِ صُورة الغَصْبِ، فإنَّها حينئذ مأخوذةٌ بغَيْر رِضَاهُ، ولك أن تقول: ما ذَكَرَهُ تصويراً أو توجيهاً إنَّما يستمِرُّ في الخمر المُحْتَرَمَةِ، وحينئذِ، فالقَوْلُ بأنَّ إراقَتها مُسْتَحَقَّةٌ ممنوعٌ أمَّا في الابتداء، فَظَاهر، وأمَّا عند الوِجْدَان، فكذلك ينبغي أن يجوزَ إمْسَاكُها إذا خلا عن قصد فاسد ثم يشْبِهُ أن يكونَ ما ذكَرَهُ مخْصُوصاً بما إذا أراقها؛ لأنَّه بالإراقَةِ مُعْرِضٌ عنها، فيكونُ كما لو أعْرَضَ عن جلد ميْتَةٍ، فَدَبَغَهُ غَيْرُه، وفيه وجّهَان مَذْكُوران في الكتابِ في "الصَّيْد والذبائح". فأمَّا إذا ضَاعت الخَمْرُ المحتَرَمَةُ منْ صَاحِبِها، فلْتُعَرَّفْ كَالكَلب والله أعلم (٣).


(١) الوجهان حكاهما ابن كج في التجريد. قال في البحر: والمشهور عند الأصحاب أن الأول أحق لتقدم يده. والثاني: أن الثاني أحق لثبوت يده.
وأطلق الرافعي الخلاف، ومحله إذا التقط الآخر قبل استكمال ملك الآخذ أما لو كان الواجد تملكها بعد البينة بالتعريف فإنه يلزمه ردها إليه بلا خلاف. قاله في الحاوي والبحر.
(٢) قال النووي: المختار المنع لأنه أسقط حقه.
(٣) قال النووي: أما قول الإمام الرافعي: يشبه أن يكون ... إلى آخره، فكذا صرح به صاحب "المهذب" فقال: وجد خمراً أراقها صاحبها. وأما قوله: إن الواجد يجوز له إمساكها، فغير مقبول، بل لا يجوز وإن خلا عن القصد الفاسد. والكلام فيما إذا لم يعلم الواجد أنها محترمة، وحينئذٍ فقدل صاحب "المهذب": الإراقة واجبة -يعني على الواجد- كلام صحيح؛ لأن الظاهر عدم احترامها والله أعلم.
قال في الخادم: وتنزيل النووي كلام صاحب المهذب على ذلك وقول الرافعي أنه إنما يستمر في الخمر المحرمة فلا يصح فإن صاحب المهذب والعراقِيين يوجبون إراقة الخمر مطلقاً محرمة =

<<  <  ج: ص:  >  >>