للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَا كَانَ التقاطُ المنبوذِ مُنَاسباً لِلُّقطَةِ، وَمُشَارِكاً لَهَا في كثيرِ مِن الأَحْكَامِ، وصل أَحَدَهُما بالآخَرِ، والكلامُ فيهِ كَمَا في اللقطة الأركانِ، والأحكامِ.

ثُم الأَحكَامُ تنقسمُ إلَى ما يَطَّردُ، وإلَى ما لاَ يَطَّرِدُ، بلْ تَخْتَلِفُ بحَسَبِ حَالِ اللَّقِيطِ، وأَحْكَامِهِ، وفيهِ أكثرُ النَّظَرِ، فأدرجُ صاحبُ الكتابِ -رحمه الله- مقَاصَدَهُ في بابَيْنِ: أحدُهُما في الأَرْكَانِ والأَحْكامَ العامَّةِ، والثاني في أَحْكَامِ اللَّقِيطِ.

أما الأولُ: فالأرْكَانُ ثلاثةٌ:

أَحَدُهَا: في نَفْسِ الإلْقاطِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الكِفاياتِ (١)؛ صِيانةً للنَّفْسِ المُحْتَرَمَةِ عَن الهَلاَكِ، وفي وُجُوبِ الإشْهَادِ، إذَا أَخَذَ اللَّقِيطُ طريقان:

أحدُهُما: أنَّه عَلى وَجْهَيْنِ أو قَوْلَيْنِ، كَمَّا قدمنَّاهُ في "اللُقَطَةِ"، وَهُمَّا فيمَّا ذَكَرَ القَاضِي ابنُ كج علَى سَبِيلِ النَقلِ والتَخريج؛ لأنَّه نصَ هَاهُنا علَى الوُجُوب، وفي "اللُقَطَةِ" عَلَى الاسْتِحبَاب، وأظهَرهمَا القطعُ بالوُجوب بخلافِ اللُقَطَةِ، فإنَّ الَمَقصُود فيها المالُ والإشهادُ في الَتصرفَاتِ المَاليةِ مستحبٌ، وفي اللَقيط يحتاجُ إلى حِفْظِ الحريةِ والنسبِ، فجازَ أنْ يَجِبُ الإشهَادُ عليهِ كمَّا في النكَاحِ.

وأيضاً، فاللُقَطَةُ يَشيعُ أمرُهَا بالتَعريفِ، ولا تَعريفَ في اللَقِيطِ، وقَد يُعبَر عن الطريقتين بِترتيبِ الخلافِ علَى الخلافِ في اللُقَطَةِ، بَل ذُكِرَ في الكِتَابِ، إنْ أوجَبَنَا


= نفقته من بيت المال، وعلقه البخاري بمعناه، وأخرجه البيهقي من طريق ابن عيينة عن الزهري أنه سمع سنيناً أبا جميلة يحدث سعيد بن المسيب قال: وجدت منبوذاً على عهد عمر، فذكره عريفي لعمر، فأرسل إليّ فدعاني، والعريف عنده، فلما رآني مقبلاً قال: عسى الغوير أبؤسًا، قال التعريف: يا أمير المؤمنين إنه ليس بمتهم، قال: على ما أخذت هذه النسمة؟ قال: وجدتها بمضيعة فأردت أن يأجرني الله فيها، قال: هو حر، وولاؤه لك، وعلينا رضاعه.
الأول: يقع في نسخ سنين بن جميلة، والصواب: سنين أبو جميلة وهو صحابي معروف، لم يصب من قال إنه مجهول.
الثاني: اسم التعريف المذكور سنان، أفاده الشيخ أبو حامد في تعليقه.
(١) لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} إذ بإحيائها يسقط الحرج عن الناس، فإحياؤهم بالنجاة من العذاب ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام، بل هو أولى، وفارق اللقطة حيث لا يجب التقاطها بأن المغلب عليها الاكتساب والنفس تميل إليه فاستغنى بذلك عن الوجوب كالنكاح والوطء فيه، فلو لم يعلم بالمنبوذ إلا واحد، لزمه أخذه فلو لم يلتقطه حتى علم به غيره، فهل يجب عليهما كما لو علماً معاً أو على الأول فقط؟
أبدى ابن الرفعة فيه احتمالين، وقال السبكي: يجب القطع به أنه يجب عليهما كما في شرحه على منهاج النووي.

<<  <  ج: ص:  >  >>