أحدهُما: أنَّها ممضاةٌ بحالها لجريانها في حالة التبعيَّة.
وأظهرهما: أنَّا نتبيَّن الانتقاضَ، ونستدرك ما يُمْكن استدراكُهُ حتى يرد ما أخَذَه من تَرِكَة قَريبِهِ المُسْلمُ، ويأخُذ من تركَةِ قريبِهِ الكافر ما حَرَمْناه منه، ونُحْكَمُ بأنَّ إعتاقَه عن الكفَّارة لَم يكن مجزئاً، هذا فيما جرَى في الصِّغَر، فأمَّا إذا بَلَغَ، ومات له قريبٌ مُسلمٌ قَبْلَ أن يُعْرِبَ عن نفسِه بشَيْءٍ، أو أعْتَقَ عن الكفَّارة في هذه الحالة، فإنْ قلْنا: لو أعْرَبَ عن نفْسِه بالكُفْر، لكان مرتدًّا، أمْضَينا أحكام الإسْلام ولا ينقض. وإنْ جعلْنَاه كافراً أصليًّا، فإنْ أَعْرَبَ بالكُفْر تبينا أنَّه لا إرْثَ له، ولا إجزاء عن الكفَّارة، وإنْ فات الإعرابُ بمَوْته أو قُتِل، فوجهان:
أحَدُهُمَا: إمضاء أحكام الإسلام كما لو مات في الصِّغَرِ.
أظْهَرُهُمَا: نتبين الانتقاضُ؛ لأنَّ سَبَبَ التبعيَّة الصِّغَرُ، وقد زال، ولم يَظْهَرْ في الحال حُكْمُهُ من نَفْسِه، فترك الأمر إلى الكُفْر الأصليِّ، وعن القاضي حُسَيْن أنَّه، لو ماتَ قبْل الإعْراب وبَعْد البلوغ، يرثُه قريبُة المُسْلِمُ، ولو ماتَ لَهُ قريبٌ مُسْلِمٌ، فإرْثهُ عنْه موقوفٌ.
قال الإمامُ: أمَّا التوريثُ منْهُ، فيخرج على أنَّه، إذا مات قَبْل الإعْرَاب، هل يُنْقض الحِكْمُ، وأمَّا توريثُهُ، فإنْ عني بالتوقُّف أنَّه يُقَالُ: أَعْرِبْ عن نَفْسِكَ بالإسْلام، فهو قريبٌ، ويُستَفَادُ به الخُرُوج من الخلاف. [و] أمَّا إذا مات القَرِيبُ، ثم مات هو، وفاتَ الإعْرابَ بمَوْته، فلا سبيل إلى الفرق بَيْن تَوْرِيثِهِ والتَّوْرِيث عَنْه، وَلَوْ قُتِلَ بَعْد البُلُوغ، وقبل الإعْرَابُ، ففي تعلُّق القِصَاصِ بقَتْله قولان:
أحَدُهُمَا: التعلُّق، كما لو قُتِلَ قَبلَ البُلوغ.
والقَصاصُ يُدْرَأ بالشُّبْهة، ويخالفُ ما قَبْل البُلُوغ، فإنَّه حينئذٍ مَحكَومٌ بإسْلامه تَبَعاً وقد انقطَعتِ التبعيَّةُ بالبُلُوغ، والقولان مبنيَّان على أنَّه إذا أعربَ بالكُفْر، كان مرتداً أو كافراً أصليًّا، إن قلْنا بالأوَّل، وجب القِصَاصُ، وإن قلْنا بالثاني، فلا؛ لكن الظاهِرَ مَنْعُ القصاصِ، وإن كان الأظهرُ كَوْنَهُ مرتدًّا؛ تعليلاً بالشبهة.
وأمَّا الديةُ؛ فالذي أطلقوه، وحكوه عن نصِّ الشافعيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تعلُّقُ الديةَ الكاملةِ بقَتْلِهِ، وقياسُ قوْلِنا -أنَّه لو أعْرَبَ بالكُفْر، كان كافراً أصليًّا أنه لا توجب الديَةَ الكاملةَ عَلَى رأْيٍ، كما أنَّه إذا فاتَ الإعرابُ بالموت، يُرَدُّ الميراثُ والإجْزاءُ عن الكفَّارة على رأْي (١).
(١) قال النووي: الصواب مما قاله الشَّافعي والأصحاب رضي الله عنهم.