للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني، يبْقَى لا محالَةَ، ولو قُتِلَ اللَّقِيطُ بعْد البلوغ والإعراب بالإسْلام، جرى الخلافُ على المأخذ الأوَّل دون الثاني، ولو قُتِلَ بَعْدَ البلوغ وقبل الإعْرَاب، جَرَى الخلافُ على المأخَذَيْنِ، [و] لكنْ بالترتيب على ما قبل البلوغ، إنْ مَنَعْنَا القِصَاصَ، ثم فههنا أَوْلَى، وإنْ أوجبنا القصاصِ ثم فههنا وجْهان؛ لقدرته على إظهار ما هُوَ عَلَيْه مِن الاختلاف.

الثاني في كيفيَّة قوْل المَنْع.

ففي "النهاية" نقله عن رواية البُوَيْطِيِّ، وفي "التتمة" عن رواية الرَّبِيع، والمفهوم من كلام المُعْظَم، أنهَّ غيرُ منصوصٍ علَيْه في المَسْألة بخُصُوصها، ولكنْ قال قائلون: اللقيطُ لا وَارِثَ له.

وقد رَوَى البُوَيْطِىُّ قولاً: أنَّه لا قِصَاصَ بقَتْلِ مَنْ لاَ وَارِثَ له، فيتناول اللَّقِيطَ تناوُلَ العُمُوم للخُصُوص.

وعن أبي الطيِّب ابن سَلَمَة والقَفَّال تخريجُهُ من أحد القولَيْن في أن مَنْ قَذَفَ اللقيطَ بعْد بُلُوغِهِ لا يُحَدُّ، ويخرَّج من هذا مأخذٌ ثالثٌ، وهو درْءُ القِصاصِ بشبهة الرِّقِّ والكُفْرِ، ثم الأصحُّ من القولَيْن وجوبُ القِصَاصِ بالاتِّفاقِ، وإنْ كانَتِ الجنايةُ على طرف اللَّقِيطِ، فَعَلَى المأْخَذِ الأوَّل يُقْطَعُ بِوُجُوبِ القصاصِ؛ لأنَّ الاستحقاقَ فيه لِلَّقِيطِ، وهو متعيِّن لا للعامَّة.

وعلى المأْخَذ الثَّاني، إذا فَرَّعنا علَى قَوْلِ المنْعِ هناك نتوقَّف في قِصَاصِ الطرف، فلو بلغ وأعْرَب بالإسْلام، تَبَيَّنَّا وجُوبَه، وإلاَّ، تبينا عَدَمَهُ.

وعلى المأخذ الثالث؛ يجري القولان بلاَ فَرْقٍ، وإذا كان الجاني في النَّفْسِ أو في الطُّرقِ كافراً رقيقاً، جَرَى القولان علَى المأخذ الأول دون الثانِي والثالث، هذا ما يتعلَّق بوجوب القِصاص.

أمَّا استيفاؤه، إذا قلْنا بالوجوب، فقِصاصُ النَّفْس يستوفيه الإمامُ، إن رَأَى المصْلحةَ فيه، وإنْ رَأَى غيره، عدل عنْه إلى الدِّيَة، ولو لم نجوِّز ذلك، لالْتَحَقَ هَذا القِصاصُ بالحدود المتَّجِهةِ، وليْسَ له العفْوُ مجاناً؛ لأنَّه على خلافُ المصلحةِ للمسلمين.

وأما قِصَاصُ الطَّرَف، فإنْ كان اللقيطُ بالِغاً عَاقِلاً، فالاستيفاء إلَيْه، وإلاَّ فَلَيْسَ للإمام أستيفاؤُه؛ لأنَّه قَدْ يُرِيدُ التَّشَفِّي، وقد لا يُريدُ العفْوَ فلا يفوت عليه.

وعن القَفَّالِ: أنَّ له الاستيفاءَ في المَجْنُون؛ لأنَّه لا ينتظر لإفاقته وقْتٌ متعيَّنٌ، والتأخير لا إلى غاية قريب من التَّفْوِيت، وهذا بعيدٌ عند الأصحاب.

وَأَبْعَدُ منه أنَّ أبا الفرح السَّرْخَسِيُّ حَكَى وجهاً مُطْلَقاً في جواز الاقتصاص؛ من

<<  <  ج: ص:  >  >>