للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث يجوزُ له أخْذُ الأَرْشِ علَى ما سنبيِّنه؛ -إن شاء الله تعالى- لأنه أحد البدلَيْنِ، فله استيفاؤه كالثاني، والمذْهَبُ الأوَّل.

وإذا لم يستَوْفِ القِصَاصَ، فهَلْ له أنْ يأْخُذَ أَرْشَ الجناية، نَظَرٌ، إن كان المجنيُّ عليه مجْنُوناً فَقيراً، فله الأخذُ؛ لأنَّه يحتاجُ، ولَيْس لزوال علته غايةٌ تُنْتَظَر، وإن كان صَبِيّاً غنيّاً، لم يَأْخُذْهُ (١) لأنَّه لا حَاجَةَ في الْحَالِ، وِلزَوَالِ الصبي غايةً منتظرةً، وإن كان مجنوناً غنياً أو فقيراً صَبِيّاً، فوجهان:

أحدُهما: جوازُ الأخْذِ لبُعْدِ الإفاقة في الصُّورة الأولَى، وقيامِ الحَاجَةِ في الثانية.

[والثاني: المنْعُ لعدم الحَاجَة في الأُولَى، وفَرْقِ الانتظارِ في الثانية،] والظاهرُ في الصورَتَيْن المَنعُ، والاعتبَارُ بالجنون والفِقر جميعاً لجواز الأخذْ، وحيثُ قلْنا: لا يجوزُ أخْذُ الأرْشِ، أو لم نَرَ المَصْلَحَةَ فيه، فيُحْبَسُ الجَانِي إلى آوانِ البُلُوغِ والإفَاقَةِ.

وإذا جَوَّزنَاه، فأخَذَه، ثم بلغ الصبيُّ، وأفاق المجْنُونُ، وأراد أن يردَّه، ويقتص، ففي تمكينه منْه وجهان شبيهان بالخلافِ فيما لو عفا الوليُّ عن حقِّ شفعة الصبيِّ للمصلحة، ثم بَلَغَ، وأراد أَخْذَهُ، والوجْهان فيما ذَكَرَ صاحبُ "التَّقْريب" مبنيان علَى أنَّ أَخْذَ المالَ عفْوٌ كُلِّيٌّ، وإسْقَاطٌ للقِصَاصِ أمْ سَبَبُهُ الحيلولةُ؛ لتعذُّر استيفاء القِصَاص الواجب وقد يرجَّح التقديرُ الأوَّل بأنَّ التضحيةَ بالحيلولةِ، إنَّما ينْقَدِح، إذَا جاءت الحيلولُة من قِبَل الجاني، كما لو غَيَّب الغاصبُ المَغْصُوبَ، أو أَبقَ العَبْدُ من يده، وههنا، جاء التعذُّر من قِبَلِهِ، وأيضاً، فلو كان الأخذُ للحيلولة، لجاز الأخذُ فيما إذا كان المجنيُّ عَلَيْهِ صَبِيًّا غَنِيًّا، وما ذَكَرْنَاه في أخْذ الأرْشِ لِلَّقِيطِ، جَارٍ في كلِّ طِفْلٍ يليه أبوه أو جدُّهُ بلا فَرْق.

وحَكَى الإمامُ عنْ شيخه أنَّه ليْسَ للوصىِّ أخْذُه، قال: وهذا [أ] حسنُ، إنْ جعلناه إسْقاطاً، فلا يجوزُ الإسْقَاطُ إلاَّ لوالٍ أو وليٍّ.

أمَّا إذا جوَّزناه للحيلولةِ، فينبغي ألاَّ يَجُوزَ للوصيِّ أيضاً.

ولْنَعُدْ إلَى ما يحتاجُ إلَى ذِكْرِه من لفظ الكتاب:

قولة: "ففي القِصاص قولان" يجوز إعلامُه بالواو؛ للطريقة القاطعة بالوجُوب.

قوله: "وهذا يجْرِي في قتلِ كلِّ من لا وَارِثَ له" ربما أشعر بأن أصْل القَولَيْن في اللَّقِيط ثم اطَّرَدَ في كلِّ مَنْ لا وارِثَ له تفريعاً، وقد صرَّحَ صاحبُ "النهاية" به عن الشيخ أبي محمَّدٍ، لكنْ فيما قدَّمناه ما يقتَضِي خلافَهُ.


(١) نصَّ عليه الجمهور، واستشكله صاحب التتمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>