وقولُهُ: "وزَيَّف صاحبُ "التقريب" هذا" يعني توجيهَ القَوْلِ، ولك أن توجِّه الإشْكَالَ علَى مزَيِّفه منْ وجْهَيْن:
أحدُهُما: أنَّ غايةَ ما يلزمُ من كلامِهِ ضعْفَ المَعْنَى الذي وجَّهوا به قَوْلَ المَنْع، والذي وجهه به ضعيفٌ أَيْضاً؛ لأنَّ قولَ المَنْع مرجُوحٌ بالاتفاق، ولا يكونُ ذلك إلاَّ لضَعْفِ دَلِيلِهِ، ولا ينكر أن الضعيفَيْنِ قد يكون أحدُهما أضْعَفَ مِنَ الآخَر، لكنَّ البحثَ إذا انتهَى إلَى مثْلِ ذلِك فلي تَرْكُهُ.
والثاني: أنَّ القولَيْن يأتيان في غَيْرِ اللَّقِيطِ ممَّا لا وَارِثَ له، ولا مَجَالَ لما ذَكَرَه في غير اللَّقِيطِ، فكما جاز التوجِيهُ بما ذكروه في غير اللقيط، جاز في اللَّقِيطِ.
وقولُه: "فعلى هذا" أي عَلَى قول الوُجُوبِ، وإنْ كانَ هذا اللفظ متَّصِلاً بقَوْل المَنْع.
وقوله: "يَسْتَوْفِيهِ الإمامُ إنْ شَاءَ" ليْسَ على التَّشَهِّي، بل إنما يَستَوْفِيهِ، إذا رَأَى المَصْلَحَةَ فيه كَمَا صرَّحَ بِهِ في طرف أخذ المَالِ.
وقولُه: "من قطع الطرف فيجب القصاص" أي: جَزْماً، بناءً على المأخذ الأوَّل.
وعلى توجيه صاحب "التقريب" يَجْرِي القولان، فعلَى قولِ المنع؛ يتوفَّف.
وقولُه: "إن كان الجَانِي حُرّاً مُسْلِماً" لا اختصاصَ له بهذا الموضِعِ، بل الكفاءة معتبرةٌ في النَّفْسِ والطرف جميعاً، والشَّرْطُ المعتبر في الحكْم لا يتكررَّ في كلِّ صورة.
وقولُه: "فلا يَسْتَوْفيه الإمامُ" مُعْلَمٌ بالواو؛ لما سبق.
وقوله: "فإنْ وُجِدَ أَحَدُ المَعْنَيَيْنِ" يعني المَعْنَيَيْن المؤثِّرين في الأخْذ، وهما الجُنُونُ والفَقْرُ.
قال الغَزَالِيُّ: (الحُكْمُ الثَّالِثُ: نَسَبُ اللَّقْيطِ) فإنِ اسْتَلْحَقَهُ المُلْتَقِطُ أَوْ غَيْرُهُ أُلْحِقَ بِهِ؛ لأَنَّ إِقَامَةِ البَيِّنَةِ عَلَى النَّسَبِ عَسِيرٌ، وَإِنْ بُلِّغَ فَأَنْكَرَ فَهَلْ يَنْقَطِعُ النَّسَبُ، فِيهِ خِلاَفٌ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَ بَالِغاً فَأَنْكَرَ لَمْ يثْبُتْ، وَلَوَ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ فَالصَّحِيحُ مِنَ القَوْلَيْنِ أنَّهُ كَالحُرِّ (و) في النَّسَبِ، وَلَوَ اسْتَلْحَقَهُ ذِمِّيٌّ أُلْحِقَ بِهِ، وَفِي الْحُكْمِ بِكُفْرِهِ تَابعاً لَهُ مَا سَبَقَ، وَإِنِ اسْتَلْحَقَتْهُ أمْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْج لَحِقَهَا عَلَى أَقْيَسِ الوَجْهَيْنِ، وقِيلَ: لاَ لأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقُهَا لُحُوقَ الزَّوْجِ، وَقِيلَ: إِنَّ الخَلِيَّةَ يَلْحَقُهَا دُونَ ذَاتِ الزَّوْجِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: القولُ في نَسَب اللَّقِيطِ كما في سَائِر المَجَاهِيل، فإذا استلْحَقَهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ، أُلْحِق به؛ لأنَّه أقَرَّ له بحقِّ؛ فأشبه ما لو أقرَّ بمال.