للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استلحاق النَّسَبُ، وقدَّم أبو حنيفةَ المُسْلِمَ. وأَعْلِمْ قَوْلَهُ في الكتابِ "لَمْ يُقَدَّم" بالحاء لمذْهَبِهِ في الصورَتَيْنِ.

الثالثة: لو اختصَّ أحدُ المتداعيين باليَدِ، نُظِرَ؛ إنْ كَانَ صَاحِبُ اليَدِ هُوَ المُلْتَقِطَ، لم يُقَدَّم؛ لأنَّ اليَدَ لا تَدُلُّ على النَّسَب (١)، ولكن، إن اسْتَلْحَقَا مَعاً، ولا بينة، فيُعْرَضُ الولدُ مَعَهُما على القَافَةِ، كما سَنْذكُر، وإنِ اسْتَلْحَقَهُ الملْتَقِطَ أوَّلاً، وحَكَمْنا بالنَّسَب، ثم ادَّعاهُ آخَرُ.

ذكر الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّه يُعْرَضُ مع الثاني علَى القَائِفِ، فإن نفاهُ عَنْهُ، بقي لاحقاً بالملْتَقِطِ باستلحاقِهِ، وإنْ ألحقه بالثاني، عُرِضَ مع المُلْتَقِطِ عَلَيْه (٢)، فإن نفاه عنه، فهو للثَّاني، وإن ألحقه به أَيْضاً، فقد تعذَّر العَمَلُ بقَوْل القَائِفِ، فيُوقَفُ.

وإنْ كانَ صاحِبُ اليَدِ غَيْرَ الملْتَقِطِ، فقد حَكَى الإمامُ وتَابَعَهُ المُصَنِّفُ؛ أَنَّهُ، إِنْ كَانَ قد اسْتَلْحَقَهُ، وحكمَ بالنَّسَب لَهُ، ثم جَاءَ آخَرُ وَادَّعَى نَسَبَهُ، لم يُلْتَفَتْ إلَيْه، لثبوتِ النَّسبِ من الأوَّلِ، معتضداً باليَدَ، وتَصَرُّفِ الآباءِ في الأولادِ، وإنْ لم يُسْمَعِ استلْحَاقُهُ إلاَّ بَعْدَما جاءَ الثَّاني، واستَلْحَقَهُ، ففيه وجهان:

أحدُهُمَا: تقديمُ صاحِب اليَدِ، كما لَمْ يُقَدَّم استلحَاقُهُ.

وأَشْبَههما: التساوِي؛ لأنَّ الغالبَ مِنْ حال الأَب أن يَذْكُرَ نَسَبَ ولَدِهِ، وَيشْهَرَهُ، فإن لم يَفْعَلْ، صارَتْ يدهُ كيَدِ الملْتَقِطِ في أنَّها لا تدُلُّ على النسب.

الرابعة: إذا تَسَاوَيَا، ولا بَيِّنَة، عرض الولدُ على القائفِ، فبأيهما ألحقه، لَحِقَهُ، والقَوْلُ في مستَنَدِ القِيَافَةِ، وأحْكَامها له باب مفْرَدٌ، فإنْ لم يوجَدِ القائفُ أو تحَيَّرَ فيه، أو ألْحَقَهُ بِهِمَا، أو نفاه عنهما، تُرِكَ اللقيطُ حتَّى يَبْلُغَ، فإذ بَلَغَ، أُمِرَ بالانتساب إلى أَحَدِهِمَا، ولا ينتسبُ بمجَّردِ التَّشَهَّي، بل يعول فيه على ميْل الطَّبْع الذي يَجِدُهُ الوَلَدُ على الوالدِ، والقَرِيبُ إلى القريب، بحكم الجبلة، فيه وجه أَنَّه لا يُشْتَرَطُ البلُوغُ، بل يرجعُ إِلى اخْتيارِهِ، إذا بلَغ سِنَّ التمييز، كما يُخَيَّر حِينَئِذِ بَيْنَ الإَبَوَيْنِ في الحضانة. والمَذْهَبُ الأوَّلُ، وَفَرَقُوا بأنَّ اختيارَهُ في الحضَانَةِ لا يلْزَمُ، بَلْ له الرجوعُ عَنِ الاختيارِ الأَوَّلِ، وهَاهُنَا إِذَا انْتَسَبَ إِلَى أَحَدِهِمَا، لَزِمَهُ، ولم يقْبَلْ رجُوعُهُ.

والصَّبِيُّ ليْسَ من أهْلِ الأمْوَالِ الملْزِمَةِ، وعَلَيْهما النفقةُ في مدَّة الانتظارِ (٣)، فإذا


(١) كذا جزم به الرافعي، وفي آخر دعاوى الحاوي أنه كالسبق بالدعوى فيكون على الوجهين.
(٢) سقط من: د.
(٣) وقد يستشكل الرجوع بأنها نفقة قريب، وهي تسقط بمضي الزمان فكيف يجب دفعها، وجوابه أن المسألة مصورة بما إذا أنفق كل منهما بإذن الحاكم كذا ذكره الرافعي في أول الباب الثاني من العدد.

<<  <  ج: ص:  >  >>