والتَّعهُّدِ، وهذا النِّزاعُ، إنْ كان قَبْلِ الأَخْذِ أو عِنْدَما أخذَاهُ، فقد سَبَقَ حُكْمُهُ.
وإنْ قال كلُّ واحِدٍ منهما: أَنَا المُلْتَقِطَ، وَأَنَا الذي عَلَىَّ حِفْظُهُ، فإمَّا أنْ يَخْتَصَّ أَحَدُهُمَا باليَدِ أو لا يختصَّ، وإنِ اخْتَصَّ، فالآخر يقول: إنَّه أخَذَه منِّى، فالقولُ قَوْلُ صاحِب اليَدِ مع يمينِهِ، فإنها تَشْهَدُ لقولهِ، وإنْ أقامَ كُلُّ واحدٍ منْهُما بيِّنةً، فَبيِّنَةُ صَاحِب اليَدِ مُقدَّمةٌ، وإنْ لم يختصَّ أحَدُهُمَا باليدِ فَيُنْظَرُ؛ إن لم يكن في يدِ واحدٍ منهما، فهُوَ كما لو أخذاه معاً، وتشاحَّا في حفظِهِ، فَيَجْعَلُهُ الحاكمُ عنْدَ من يراه أو مِنْ غيرهما، وإنْ كانَ في أيْدِيهِمَا، فإنْ نكلا أو حَلَفَا، فالحُكْمُ كما ذكرنَا فيما إذا ازْدَحَمَا علَى الأَخْذِ، وهما متساوِيا الحَالِ.
وإنْ حلَفَ أحدُهُمَا دُون الآخَرِ، خُصَّ به، وسَوَاءٌ كان في يَدِهِمَا أو لم يكُنْ في يدِ واحدٍ منهما، فلو أقام كلُّ واحدٍ منهُما البَيِّنَةَ علَى ما يَدَّعِيهِ، نُظِرَ؛ إن كانت البينتان مُطْلَقَتَيْن، أو مقيَّدَتَيْنِ بتارِيخٍ واحدٍ، أو إحداهما مُطْلَقَةً، والأخْرَى مقيدةً، فهما متعارِضَتَانِ.
فإن قلْنا: بالتهاتُرِ، فكأنَّهُ لا بَيِّنةَ، وإنْ قلنا بالاسْتِعْمَالِ لِم يجئ قولُ الوَقْفِ، ولا قَوْلُ القسمةِ، ويجيء قوْلُ القُرْعةِ، فنقرع، ويُسَلَّمُ إلَى مَنْ خرَجَتْ قرعَتُةُ، وإنْ قُيِّدَتَا بتارِيِخَيْنِ مختلِفَيْن، حُكِمَ لِمَنْ سبَقَ تاريُخُه بخلافِ المَالِ، حيثُ لا يُحْكَمُ بسبق التاريخ في أَصحِّ القَوْلَيْنِ (١).
وفرقوا بأنَّ أمرَ الأموالِ مبنىٌّ عَلَى الانتقالِ، فربَّما أنتَقَلَ عن الأول إلى الثاني، ولَيْسَ كذلك الالتقاطُ، فإنَّه لا ينتقل، ما دامَتِ الأهليَّةُ باقيةً، فإذا ثَبَتَ السَّبْقُ، لزمَ اسْتِمْرَارُهُ.
قال الشيخُ أبو الفرجِ الزاز: هذا إذا قلْنا: إنَّ من التقط اللَّقِيطَ، ثم نَبَذَهُ، لَمْ يَسْقُطْ حقُّهُ، فإنْ أسقَطْنَاه، فهو على القولَيْنِ في الأموال؛ لأنَّه ربما نَبَذَه الأوَّلُ، فالْتقَطَهُ غَيْرُهُ، وهذا حَسَنٌ، ويَتفرَّع علَى تقدِيم البيِّنةِ المتعرّضةِ للسَّبْقِ ما إِذَا لو كانَ اللَّقِيطُ في يَدِ أحَدِهِمَا، وأقَامَ مَنْ هو في يده البَيِّنَةَ، وأقامَ الآخَرُ البَيِّنَةَ علَى أنَّه كان في يده، انتزَعَهُ منْهُ صاحبُ اليد، فقدم بيِّنةُ مدَّعِي الانتزاعِ لإثباتها السَّبق.
(١) هذا الذي قالوه يخالف ظاهر قولهم في باب الأقضية أنهما إذا شهدا عند القاضي بحث عن كونهما حرين، وهذا يدل على أن الأصل الرق، وكذا لو باع عبده البالغ وهو ساكت ثبت ملكه فإن الأصل الرق.