للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصروفةٌ إلَى الصّغير، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، ويجوزُ أنْ يُعْلَم قَوْلُهُ "يُحْكَمُ لَهُ بالرِّقِّ ظاهرًا" لأنَّ القاضِيَ ابنَ كج حَكَى وجهًا؛ أنَّ دعْوَى الرِّقِّ من صاحبِ اليدِ لا [يُمْكِنُ أن] تقبل إلاَّ بالبَيِّنةِ، وإنْ لم يكنْ يَدهُ عنِ الْتقاطٍ.

قال الغَزَالِيُّ: (الثَّالِثَةُ) أنْ يُقيمَ المُدَّعِي بَيِّنَةَ عَلَى الرِّقِّ مُطْلَقًا، فَفِيهِ ثَلاَثةُ أَقوَالٍ: (أَحَدُهَا): أنَّهُ يَسْمَعُ كَبَيِّنَةِ المالِ (وَالثَّانِي): لاَ لأنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَنِدُ إِلَى ظَاهرِ يَدِ الالْتِقَاطِ (وَالثَّالِثُ): أنَّهُ لا يَقْبَلُ مِنَ المُلْتَقِطِ وَيَقْبَلُ مِنْ غَيْرِهِ لِسُقُوطِ هَذَا الخَيَالِ، فَإنْ شَرَطْنَا التَّقْيِيدَ فالمُقَيَّدُ بأَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى شِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ يَقُولَ: وَلَدتْهُ مَمْلُوكَتِي عَلَى مِلْكِي، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَدَتْهُ مَمْلُوكَتِي فَقَدْ قِيلَ: لاَ يَكْفِي (و) لأنَّهُ قَدْ تَلِدُ المَمْلُوكَةُ حُرّاً، والأَصَحُّ أنَّهُ يَكْفِي إِذِ القَصْدُ قَطْعُ احْتِمالِ الاسْتِنَادِ إِلَى ظاهِرِ اليَدِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الحالية الثالثة: أنْ يَدَّعِيَ رقَّهُ مُدَّعٍ أو يُقِيمَ عَلَيْه بينةً، حيثُ يحتاجُ مُدَّعِي الرِّقِّ إلى البينةِ كما فصَّلْنَاه، فهَلْ يُكْتَفَى بإقامةِ البَيِّنةِ على الرِّقِّ أو الملْكِ مطلقاً؟ فيه قَوْلانِ:

أحدُهما: نَعَمْ، كما لو شَهِدَتِ البينةُ علَى الملْك في دارِ أو دابَّةٍ أو غيرهِمَا مِنَ الأموالِ، يكفي الإطْلاقُ، وهَذا ما اختارهُ المُزنِيُّ.

ويُحْكَى عن نصِّه في "الدعاوى والبينات" وفي القديم والثاني، وهو المَنْصُوصُ هاهنا أنَّه لا يكتفي بها؛ لأنَّا لا نَأْمَنُ أنْ يكُونَ اعتمادُ الشاهِدِ علَى ظَاهرِ اليَدِ، وتكُون اليَدُ يَدَا الْتقِاطٍ، وإذا احْتُمِلَ ذلك، واللَّقِيطُ محكومٌ بحرِّيتِهِ بظاهِرِ الدارِ، [فلا يُزَالُ ذلك الظاهر] (١) إلاَّ عن تحقِيقِ، ويخالف سائرَ الأموال؛ لأنَّ أَمْرَ الرِّقِّ خَطِيرٌ، وهذا أَصَحُّ فيما ذَكَرَهُ الإمامُ وصاحِبُ التَّهْذِيب والقاضي الرُّويانيُّ وآخَرُونَ، ومنْهم مَنْ رَجَّحَ الأوَّل. قال القاضي ابنُ كج والشَّيْخُ أبوَ الفَرَج الزاز: ويؤيدَّهِ أنَّ منَ الأصحاب مَنْ قَطَعَ بالقَوْلِ الأوَّل، ولمْ يُثبِتِ الثاني، وَحَمَلَ نصَّهُ هاهنا عَلَى الاحتياطِ، ولمَنْ قَاَلَ به أنْ يَحْتجَّ بأنَّ قِيَامَ البَيِّنةِ على مُطْلَقِ المِلْكِ ليسَ بأقلَّ مِنْ دَعْوَى غَيْرِ المُلْتَقِطِ رقَّ الصغيرِ في يَدِهِ (٢)، فإذا اكتفَيْنَا به، جاز أن يُكتَفَى يالبينةِ على المِلْكِ المُطْلَقِ.

(التفْريعُ): إنْ لم نكتف بالبينةِ المطْلَقةِ شَرَطْنَا تَعَرُّضَ الشُّهود لسَبَبِ الملْكِ مِنَ الإرْثِ والشراء أو الاَّيهَابِ ونَحْوِهَا.

ومن الأسبابِ أنْ يَشْهَدَ بأنَّ أَمَتَهُ ولَدَتهُ مملوكاً له، فإن اقتصرُوا عَلَى أن أمته ولَدَتْهُ


(١) سقط في: ز.
(٢) قال النووي: كل من الترجيحين ظاهر، وقد رجح الرافعي في "المحرر" الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>