للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحُّهما: القطعُ بقُبُولِ أصْل الإِقْرَارِ، وثبوت أحكام الأرقَّاءِ له في المُسْتَقْبَلِ مُطْلقاً، وتخْصيص القولَيْنِ بأحْكَام التَّصرُّفاتِ السَّابقَةِ، فأحَدُ الَقولَيْنِ القُبُولُ في أحكامها أيضاً، سواءٌ كان مما يَضُرُّ بِهِ أو ينْفَعُ، ويضرُّ غَيْرَهُ؛ لأنَّهُ لا تهمة فيهِ، إِذ الإنْسَانُ لاَ يَرِقُّ نَفْسَهُ؛ لإلحاق ضَررٍ جَرى بالغير، وأيضاً، فلأنَّ تِلْك الأحكامَ فُرُوعُ الرِّق، فإذا قَبِلْنا إقْرَارَهُ في الرِّقِّ الَّذِي هو الأَصْلُ، وَجَبَ القُبُولُ في أحْكَامِهِ الَّتي هِيَ فروعٌ له.

وأصحُّهُما: المَنْعُ في الأَحْكَامِ الَّتي تضُرُّ بغَيْرِهِ، وتَخْصِيصُ القَوْلِ بالأحْكَامِ التي تَضُرُّ بِهِ؛ كَما لَو أَقَرَّ بمالٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيرِهِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عليه ولا يُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ، وبهَذا قال أبوحَنِيفةَ، وأختاره المُزَنِيُّ, وعَنْ أحمد روايتان كالقَوْلَيْن.

قال الشيخُ أبو عَلِيٍّ، وَهَذَانِ القَوْلاَنِ مع القَبُول في أصْلِ الرِّقِّ، كما يَقُول فيما إذا أَقَرَّ العبْدُ بسرقةٍ توجب القَطْعَ، والمالُ في يدِهِ، يُقْبَلُ إقرارُة بالقَطْعِ، وفي المالِ خِلاَفٌ، وأصْحَابُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَالُوا: "وقَولُهُ وفي إلزامِهِ الرِّقِّ قَوْلاَنِ" معناه في إلْزَامِهِ أحْكَامَ الرِّقِّ. ففي قَوْلٍ؛ يلزمه الكل، وفي قول؛ يفصل، وذلك يتبيَّنُ عِنْدَ شُرُوعِهِ في تَفْصِيلِ القَوْلَيْنِ.

وأمَّا قولُهُ "ألْزمتُهُ مَا لَزِمَهُ قَبْلَ إِقْرَارِهِ" ففي بعْضِ الشُّرُوحِ تفْسيرُهُ بالأحْكَامِ الَّتي تَلْزَمُ الأحْرَارَ والعَبِيدَ جميعاً.

وقال المَسْعُودِيُّ: أي: لا أُسْقِطُ عَنْهُ بهَذا الإقْرارِ ما لَزِمَهُ قَبْلَهُ من حقوق الآدَميِّينَ، والأوَّل أثْبَتَهُ بنَظْمِ الكَلاَمِ.

"وفي النهاية" أن بَعْضَ الأصْحَابِ طَرَدَ قَوْلَ التَّفْصِيلِ ما يَضُرُّ بهِ، وما يَضُرُّ بغيره في المُسْتَقبلِ أيضاً، ويُخَرّجُ من ذَلِكَ ثَلاَثةُ أقْوَالٍ:

أحَدُها: القُبُولُ في أحْكَامِ الرِّقِّ كلِّهَا ماضياً ومُسْتَقْبِلاً.

والثاني: تخصيص القُبُولِ بما يَضُرُّ بِهِ، والمَنْعُ فيما عَداهُ ماضيًا ومستقبلاً.

والثالث: تخصيصُ المَنْعِ بما يضرُّ بغيره فيما مَضَى، والقُبُولُ فيما عداه. وثلاثَتُها مُتَّفِقَةٌ على القُبولِ فيما عَلَيْهِ؛ فلذلك قالَ صاحِبُ الكِتابِ "فَيُقبَلُ إقْرارُهُ فيما علَيْه مطلعاً" وخصَّصَ التَّرَدُّدَ بما يَضُرُّ بغيره، وقد تعرَّض لذكرِ الأقْوَالِ، إلاَّ أنَّهُ لم يُصَرِّحْ بتَفْضِيلِها جَميعاً، وَجَعْلُهُ القَبُولُ فيما يَضُرُّ بالغَيْرِ أَظْهَرَ الأَقْوَالِ غَيْرُ مُسَاعَدٍ علَيْهِ، بل الأصحابُ إِلى المنع أَمْيَلُ، وقَدْ صَرَّحَ بتَرْجِيحِهِ المَسْعُودِيُّ، وصَاحِبُ "التهذيب" والقاضي الروياني، وبِهِ أجابَ ابنُ الحَدَّاد، وَيَجُوزُ أنْ يُعْلَمَ. قَوْلُه "فَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فيما علَيْهِ مُطلقاً" بالواو؛ لأَنَّ المذْكُورَ في الكِتابِ هُوَ الطَّرِيقُ الثاني.

وقولُهُ في أوَّل الفصلِ "لم يقبل على الصحِيح" يعني من الوجْهَيْنِ، وأَعْلِمْ قَوْلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>