وقَطَعَ بَعضُهُم بالقولِ الأوَّلِ؛ لأنَّه محكومٌ بحريَّتهِ بظاهِرِ الدارِ، وحُمِلَ الثَّانِي على مجهولٍ لم تُعْرَف حُرِيَّتُه بالدارِ، فيجوز أنْ يُعَلَم لذلك قولهُ "قولانِ" بالواو، والمشهورُ طريقةُ القولَين، وُينْسَبُ الثَّانِي إلى نصِّهِ في اللِّعان، والأولُ إلى نصِّهِ في هذَا الباب لكنَّهما جميعاً مَذكُوران هاهنا في "المختصر"، وعلى هذا فلَوْ قَطَعَ حرٌّ طرفَه، وادَّعَى رقَّه وقال المقطوعُ: بل أنَا حرٌّ، فطريقان:
والثَّانِي: القطعُ بالوجوبِ، وقد سبق ذكرِ الطريقين في الحكم الثاني من أحكام اللقِيطِ، وفرَّقَ أصحابُ الطَّريقِ الثَّاني بفرقين:
أحدُهُما: أنَّ المقصودَ من الحدِّ الزحرُ، وفي التَّعزِير الّذي يُعدَلُ إليه من الحدِّ، ما يحملُ بعضَ هذا الغرض، والمقصود من القصاص التشفي والمقابلة، وليس في المال المعدول إليه ما يحصل هذا الغرض، ويجوزُ أنْ يُمْنَعُ هذَا، ويُقَالُ: يَحصُلُ بالإضرار بعض غرضِ التَّشفَّي.
والثَّاني: وَهُوَ المذكورُ في الكتاب، أنَّ التعزيرَ الّذِي يُعْدَلُ إليه متيقن لأنَّه بعْضُ الحدِّ، فالعُدولُ إليه عُدولٌ من ظاهرٍ أو مَشْكُوكٍ [إلى مُسْتَيْقَنٍ، وإنْ أسْقَطْنَا القِصَاصَ، عَدَلْنا إلى نصْفِ الدِّيَةِ أو القِيمَةِ، وذلِكَ مشكوكٌ] فيه؛ لأنَّ الحريَّةَ شرطُ وجوب الدِّيَةِ، والرِّقُّ شرطُ وجوب القيمةِ، فكان ذَلكَ عُدُولاً من ظاهِرٍ أو مشكُوكٍ فيهِ إلىَ مشكوكٍ فِيهْ. وعن الشيخِ أبي مُحمدٍ محاولةُ فرْقٍ ثالثَ: وهو أنَّ حدُ القذفِ أقربُ سُقُوطاً بالشُبْهَةِ من القِصاصِ؛ فلذلك افترقَا.
وقولُهُ في الكتاب "لأنَّ القيمةَ أيضًا لو عدَلنا إلَيْها"، مُقْتَضاهُ العُدُولُ إلى القيمةِ، لو تركنا القِصَاصِ، وكَذلِكَ ذكَرَهُ بعضُهُم، ومُقْتَضَى كلامِ الأكثرِين العُدُولُ إلى الدِّيَةِ، وسببُ الاختلافِ: الخلافُ الَّذِي يقدَّمُ في أنَّ الواجِبَ بقتل اللقيطِ خطأً الدِّيَةُ أو الأقَلُّ من الدِّيَّةِ والقيمةِ، والظَّاهِرُ وجوبُ الدِّيةِ إلا أنّ غَرَضَ الفَرْقِ لا يختلِفُ، فإنَّ الشَّكَ في الرِّقِ والحُريَّةِ يوجِبُ الشَّكَ في القيمةِ والدَّيةِ؛ فكأنَّهم تساهَلُوا لذلِكَ ثُمَّ لا يُخفَى أنّ في