عصبةٌ بنَفْسِهِ، كَمَا سَبَقَ، وعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ، وهُوَ تعْصِيبُ الأصْنافِ الأرْبعَةِ بالإِخْوَةِ، وعصبةٌ مَعَ غَيْرِهِ، وهوَ تَعْصِيبُ الأخَوَاتِ من الجهَتَيْنِ بالبَناتِ وبناتِ الابْنِ، ويُفْرَّقُ بينَهُما بأنَّا إذَا قُلْنَا: عصبةٌ بالغَيْرِ، فَذَلِكَ الغَيْرُ عَصَبَةٌ، وإذَا قُلْنَا: عَصَبَةٌ مع الغَيْرِ، لَمْ يَجِبْ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الغَيْرُ عَصَبَةٌ بنَفْسِهِ، وهَذا تفاُوتٌ في الاصطلاح، والحقيقةُ واحدةٌ، فاعْرِفْ هَذِهِ الجملَةَ، وتفْاصيِلُهَا بين يديْكَ.
جئْنَا إلى المقصودِ بالفَصْلِ، فَنقولُ: للزَّوْجِ نصْفُ المَالِ، إذَا لَمْ يكنْ للميتة وَلَدٌ، ولا وَلدُ ابْنٍ، ورُبعُهُ إذَا [كَانَ] لَها وَلَدٌ أو ولدُ ابْنِ مِنْهُ أو مِنْ غَيْرِهِ.
وللزوْجَةِ الرُّبُعُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ للميِّتِ وَلَدٌ ولا وَلَدُ ابْنٍ، والثُّمْنُ، إذَا كانَ لَهُ وَلَدٌ، أوْ وَلَدُ ابْنٍ منها، أو مِنْ غَيْرِها، قَالَ الله تَعالىَ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وقالَ: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: ١٢] إلَى آخِرِها، إلاَّ أنَّ النَّصَّ ساكِتٌ عَنْ وَلَدِ الابْنِ فقال قائلون: اسْمُ الوَلَدِ يَقَعُ عَلَى وَلَدِ الابْنِ أَيْضاً، فكانا مرادَيْنِ باللَّفْظِ قَدْ ذَكَرْنَا في الوَقْفِ أنَّ اسْمَ الوَلَدِ لا يتناوَل وَلَدَ الابْنِ في أَصَحِّ الوجْهَيْنِ.
وقَالَ آخَرُونَ: قِسْنَاهُ علَى الولدٍ للإجْمَاعِ عَلَى أنَّه كَوَلَدِ الصُّلْب في الإرْثِ والتَّعْصِيب، والزَّوْجَتان والثَّلاثُ والأرْبَعُ يَشْتَرِكْنَ فِي الربعُ أو الثُّمُنِ، وَلا يزيدُ حَقُّهُنَّ، فلَو زِدْنَا، لاسْتَغرَقَتِ الأربَعُ المالَ، والزَادَ نصيبُهُنَّ عَلَى نَصيبِ الزَّوْجِ، وَهَذَا تَوْجِيهٌ إقْناعِيُّ، وكَفَى بالإجماعِ حُجَّةً.
وقولُهُ في الكتاب "أوْ لَدُ وَلَدٍ وارِثٌ" لفظُ "وارث" نعْتٌ لـ"الولد" المضافِ، وإنَّما يَكُونُ وارِثاً، إذَا كَانَ المضافُ إليهِ ابْناً، فإنَّ ابْنَ البِنْتِ لا يَرِثُ ويَخْرُجُ عَنْهُ ما إذَا كَانَ قاتِلاً أو رَقِيقاً، فإنَّ مَنْ لا يَرِثُ بِهَذِهِ الأَسْبَاب لا يَحْجُبُ، ويجوزُ أَنْ يُجْعَلَ عَائِداً إلَى وَلَدِ الصُّلْب أيْضاً، فيكونَ بِمَثابَةِ قولهِ [تَعَالَى]: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون:٥٠] وَلا يَجُوزُ أنْ يُقَدَّرَ "الوارِث" نَعْتاً لـ المضاف إليه؛ لأنَّ وَلَدَ البِنْتِ وَلَدٌ وارِثٌ, وأَنَّهُ لا يحجب، والله أَعْلَمْ.
قال الغَزَالِيُّ: (أَمَّا الأُمُّ) فَلَهَا الثُلُثُ إِلاَّ في أَرْبَعِ مَسَائِلَ، زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، وَزَوْجَةٌ وأَبَوَانِ، فَلَهَا المَسْأَلتَيْن ثُلُثٌ (و) مَا يَبْقَى، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ وارِثٌ، أَوِ اثْنَانِ مِنَ الإِخْوَةِ أَوِ الأخَوَاتِ فَصَاعِداً، فَلَهَا فِي السُّدُسُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الله تَعالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:١١] فنصت الآية علَى أنَّ للأمِّ الثُّلُث، إذَا لَمْ يكُنْ للميِّتِ وَلَدٌ، ولا إخوة له، وعَلَى أنَّ لَها السُّدُسُ، إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ أو إخْوةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute