وأبو حنيفةَ يُوَافِق على التوريث بالأقْوَى منْ هذا الوَجْه، وإنَّمَا الخِلافُ من الأقْوَى منَ الوَجْه الثَّانِي.
والثاني: أنْ يَكُونَ أحدُهُمَا أقَلَّ حجْباً أوِ لا يتطَرَّق إليهما حجْبٌ.
مثالُ الأوَّلِ: أمُّ أمٍّ, هِيَ أختٌ لأبِ: وصورَتُهُ: أن يطَأَ ابنتَهُ، فتَلِدَ بنتاً، فيطأها، فتَلِدَ ولداً، فالأُولَى أمُّ أمِّ الوَلَدِ وأختُهُ لأبيه.
ومثال الثاني: أمُّ, هيَ أخْتٌ لأب، وذلِكَ بَيِّنٌ من هذا التصوير، فيكون الإرْثُ بالأُمُومَة أو بالجُدُودَةِ دون الأُخُوَّة؛ لأنَّ الأم لا تُحْجَبُ، وأمُّ الأمِّ لا تحجبها إلاَّ الأمُّ.
وأما الأختُ فيحجبها جماعةٌ، سبَقَ بيَانُهُ.
وابنُ اللَّبَّانِ -رحمه الله تعالَى- حكَى غير هذه العبارَةِ من مَعْرِفَةِ الأقوَى والأضْعَفِ، فقال: إذا كانتْ إِحْدَى القرابَتَيْن تَسْقُط حيثُ لا تَسْقُط الأخْرَى، فالأُوْلَى ضعيفةٌ والأخرى قويةٌ، فالأمُّ التي هي أختٌ ترث بالأمومَةِ؛ لأن الأختَ تَسْقُط بالأب والابن، وابْنِ الابنِ دُون الأمِّ.
قال: وهذا يُشْكِلُ بأمِّ الأمِّ التي هي أختٌ لأب، فإنَّ الجَدَّة تسقط بالأم، والأخت لا تَسْقُط، والأخْتُ تسقط بالأب والجَدَّةُ، لا تسْقُط بالأُمِّ فيلزم أنْ تَكُون كلُّ واحدةٍ من القرابَتَيْنِ أَقْوَى من الأخْرَى وأضْعَف، وأخذ يحتجُّ بذلك على إبْطَال القول بسُقُوطِ إحْدَى القرابَتَيْنِ، والعبارة مزيفة، كما ذَكَرَهُ، ولكنَّ اعتماد الأصحابِ عَلَى ما سبق.
وهذا الإشْكَالُ لا يرد عليه.
إذا تقرَّر ذلك، فنوضِّحه بمثالَيْن:
أحدُهُمَا: وقد ذكره صاحب الكتاب -رحمه الله-: نكح المجوسيُّ ابنته فأولدها بنْتاً، ثم مات المَجُوسِيُّ، فقد خلف بنْتَيْنِ: إحداهما زوجةٌ، فلها الثلثانِ، ولا عبرةَ بالزَّوْجِيَّةُ بالاتِّفاق، كما لو ماتَتِ الكُبْرَى بعده، فقَدْ خَلَّفَتْ بنتاً هي أختٌ لأب، فلها النصف بالبنتية وسقطت الأُخُوَّة.
ولو ماتَتِ الصغرَى بعده دُون الكُبْرَى، فقد خلَّفتْ أُمّاً، هي أختٌ لأبٍ، فلها الثلُثُ بالأمُومَةِ، وسقَطَتْ بالأُخُوَّة. وقال أبو حنيفةَ ومن ساعَدَهُ من الصُّورة الأُولَى: لها النِّصْف بالبنوَّة والباقي بالأخوة.
وفي الثانية: لها الثلُثُ بالأمُومَةِ، والنِّصْفُ بالأُخُوة.
وعن تخريج ابْنِ سُرَيْجٍ مثْلُ قوله في الصورة الأُولَى دون الثَّانية، والفرقُ أنَّ الأخْتَ مع البنْتِ تأخذ بالعصوبة، فلا يلْزَمُ الجَمْعُ بين فرضَيْنِ، وفي الثانِيَةِ يلْزَمُ.