للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهُما: ويُحْكَى عن ابن سُرَيْجٍ: أنه كالحربىِّ؛ لأنه لا يستوطِنُ دارَنَا، وبهذا قال أبو حنيفة.

وأصحُّهما: وهو. الذي حكاه ابن اللَّبَّان عن الشَّافعيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أنه كالذمِّيِّ؛ لأنَّهما جميعاً معْصُومَانِ بالعَهْد والأَمَان.

فعلى هذا يجري التوارُثُ بين الذميِّ والمستأمَنِ، وعلَى الأوَّل في (١) التوارثُ بينهما القَوْلان. ويجري التوارُثُ بينه وَبيْن الحَرِبيِّ، ولا بأسَ بإيراد مثالٍ من المسألة:

يهوديُّ ذَمِّيٌّ مات عنِ ابْنٍ مثْله، وآخر نصرانيٌّ ذَمِّيٌّ، وآخَرُ يهوديٌّ معاهَدُ، وآخَرُ يهوديٌّ حربِيٌّ، فالمال بينهم سِوَى الأَخِيرِ على المَذْهَب (٢).

ويجيء من النصرانيِّ وجْهٌ بناءٌ على انقطاعِ التوارُثِ بيْن ملك الكفار، ومن المعاهِدَ أيضاً بناءً علَى أنه كالحربي والذِّمِّيِّ يتوارثان ويجيء في الحربِيِّ وجْةٌ أنَّه يرث؛ بناءً على أنَّ الحربِيَّ والذِّمِّيِّ يتوارثان، وليعلَمْ قولُهُ في الكتاب: "ويتوارث اليهودُ والنصارى" بالألف والواو والميم أيضاً، ففد اضطربتِ الروايةُ عَنْ مالِكٍ فيه.

وقولُهُ: "والمعاهَدُ من حكم الذِّميِّ بالحاء، والله أعلم.

المسالةُ الثالثة: المرتَدُّ لا يرثُ منْ أحدٍ، ولا يرثُهُ أحَدٌ لا مسلمٌ ولا مرتدٌّ ولا كافرٌ أصليٌّ، بل مالُهُ فَيءٌ لبَيْتِ المالِ، سواءٌ ما اكتسبَه (٣) في حالِ الإسْلاَم، وما اكْتَسَبَهُ في حال الرَّدَّة، وبه قال أحمَدُ ومالكٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إلاَّ أنَّ مالكاً يقول: إذا ارتدَّ في مرَضِهِ، واتُّهِمَ بأنَّ قصْد منع المالِ من الورثة وَرِثُوهُ.


(١) سقط من ب.
(٢) قيل: كيف يتصور توارث اليهودي من النصراني وعكسه لأن الصحيح النصراني إذا تهود أو عكسه لا يقر على ذلك بل لا يقبل منه إلا الإسلام.
وأُجيب بأنه يتصور بما لو أتت اليهودية من النصراني بولد ومات النصراني واختار الولد دين أُمه ورث من أبيه.
قال في الخادم: ويتصور في الولاء بأن يعتق نصراني عبداً يهودياً في الزوجية بأن ترث اليهودية من النصراني وعكسه. وأحسن من ذلك تصويره بما لو تهود النصراني في دار الحرب قبل التزام الجزية فإن المنع من التقرير إنما هو بعد التزامها بدليل حكايتهم قولين فيما إذا لم يسلم هل يقتل أو يلحق بمأمنه أصحهما الثاني، أما لو تهود في دار الحرب ثم جاءنا وقبل الجزية أقر قطعاً لمصلحة قبول الجزية.
(٣) رد الشيخ الإمام السبكي على الشيخ ابن الرفعة تقييده ذلك بموته على الردة وأطال في ذلك وأحسن فيما قال. وقال الشيخ البلقيني في التدريب وأما ما وجب له من قصاص بقطع طرف أو جرح في حال إسلامه فإنه يستوفيه من كان وارثه لولاء الردة على مقتضى النص المعمول به فيمكن أن يستثنى، وإن لمح فيه التشفي، وقياس ذلك يأتي في حد القذف وفي اليهودي يتنصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>