للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّه قال -صلى الله عليه وسلم-: "القَاتِلُ لاَ يَرِثُ" (١).

والمعنَى الكليُّ أنا لو ورَّثْنَا القاتِلَ، لم نأمَنْ مِنْ مستعجِلِ الإرث أن يقتُلَ مورِّثه، فاقْتَضَتِ المصلحةُ حرْمَانَهُ (٢).

إذا تقرَّر ذلك، فالقَتْلُ ضرْبَانِ:

أحدهما: المضمونُ منه، وهو موجبٌ لِلْحِرْمَانِ، سواءٌ كان مضْمُوناً بالقصاصِ أو


(١) تقدم.
(٢) اختلف في القتل المانع من الإرث فعندنا معاشر الشافعية لا يرث من له مدخل في القتل. ولو كان بحق كمقتص وإمام وقاصد وجلاد بأمرهما أو أحدهما سواء أكان مباشراً أم متسبباً بالاختيار أم بالإكراه -لكنهم رجحوا في صورة من حفر بئراً في ملكه فقتل فيه مورثه. وكذا من وضع حجراً أو نصب ميزاباً في ملكه أو بني حائطاً في ملكه فمات المورث بسببها- رجحوا في هذه الصور الإرث .. لأنه لم يتعد فيها. أما إذا تعدى بأن حفر بئراً في الطريق فإنه لا يرث إذا مات بها مورثه- هذا إذا كان التسبب قريباً. بخلاف ما إذا كان بعيداً كان أحبل الزوج زوجته فماتت بالولادة فإنه يرث. وإن كان له تسبب في موتها بالأحبال -لكنه بعيد- ولأن الوطء من باب الاستمتاع. ومن شأنه ألا ينسب إليه قتل.
هذا والقتل يشمل المقصود كما تقدم وغير المقصود كقتل النائم والمجنون والصبي غيرهم. فلا يرث واحد منهم من قتله.
وأما حديث "رفع القلم عن ثلاث -عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق" فلا يرد علينا- لأنه المرفوع هنا إنما هو قلم التكليف ولا تعلق له بالإرث.
وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال بإرث القاتل إذا كان صبياً أو مجنوناً لارتفاع القلم عنهما.
وعندنا لا إرث لمن له دخل في القتل سواء أقصد به مصلحة كضرب الأب ابنه للتأديب فيموت بسببه وربطه الجرح للمعالجة أم لا.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس للقاتل من الميراث شيء" أي ليس لمن له مدخل في القتل شيء من الإرث.
وأما السادة الحنفية. فيقولون. إن القتل المانع من الإرث هو ما يتعلق به وجوب القصاص أو الكفارة. فالذي يوجب القصاص هو العمد. وما لا يوجب الكفارة أما شبه العمد وأما الخطأ -وموجبهما الكفارة والدية على العاقلة ولا إثم فيه. ويحرم القاتل الميراث في هذه الصور كلها -هذا إذا كان القتل بغير حق- أما لو قتل مورثه قصاصاً أو حداً أو رقماً عن نفسه فلا يحرم الميراث- وكذا إذا تسبب في القتل ولم يباشره مطلقاً سواء أكان في تسببه متعدياً أم لا.
واعترض على الحنفية في قصر المانع على القتل الموجب للقصاص أو الكفارة. بما إذا قتل الأب ابنه عمداً فإنه لم ثبت به قصاص ولا كفارة مع أنه محروم اتفاقاً.
وأجيب بأنه موجب للقصاص بحسب أصله إلا أنه سقط بقوله عليه الصلاة والسلام "لا يقتل الوالد بولده ولا السيد بعبده".
وعند السادة الحنابلة كل قتل مضمون بدية أو قصاص أو كفارة مانع وما لا فلا -أما القتل بحق فلا يمنع الميراث.
وعند السادة المالكية. يرث القاتل خطأ من المال دون الدية. ولا يرث القاتل عمداً وعدواناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>