هذا هو محل النزاع بين الأصوليين .. وكان من أثر اختلاف الأصوليين في دلالة العام اختلافهم في جواز تخصيص العام من الكتاب أو السنة المتواترة بالقياس إذا لم يخصصا بدليل مستقل مقارن قطعي الثبوت، ونذكر هنا أمر آخر كان سبباً من أسباب الخلاف بينهم في جواز التخصيص بالقياس وهو وجود الضعف في القياس الناشئ من احتياجه في الغالب إلى الاجتهاد في أمور -كون حكم الأصل معللاً، وتعيين علته، ووجودها في الأصل، ووجودها في الفرع، وخلوها عن المعارض فيهما، وكل ذلك بعد معرفة حكم الأصل- والأمور الاجتهادية يتطرق إليها احتمال الخطأ، وهذا بخلاف الخبر فإن محل الاجتهاد فيه -أن كان- أمران، عدالة الراوي وكيفية الدلالة لهذين الأمرين وقع الخلاف بين علماء الأصول في جواز تخصيص العام بالقياس وعدم جوازه وذهبوا فيه مذاهب شتى .. فذهب الأئمة الأربعة والأشعري وأبو هاشم من المعتزلة إلى الجواز ألا أن الذين قالوا بأن دلالة العام على أفراده قطعية شرطوا لذلك أن يكون العام مخصصاً بغير القياس بدليل متصل مقارن قطعي الدلالة -أن كان العام كذلك. وذهب أبو علي الجبائي من المعتزلة إلى تقديم العام على القياس مطلقاً سواء كان القياس جلياً أو خفياً وسواء كان العام مخصوصاً أو لا، ونقله القاضي في التقريب عن الأشعري .. وذهب ابن سريج إلى الجواز أن كان القياس جلياً وهو ما كان الجامع فيه وصفاً مناسباً للحكم لا أن كان خفياً وهو قياس الشبه كقياس طهارة الخبث على طهارة الحدث في تعين الماء للطهارة بجامع أن كلا طهارة تراد للصلاة فإن هذه العلة غير مناسبة للحكم بذاتها ألا أن يتوهم، فيها المناسبة لأن الشارع رتب عليها تعين الماء في الطهارة الحدثية. وقيل الجلي ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع كقياس الأمة على العبد في تقويم البعض على معتق بعضه الآخر ليعتق الكل أو ما كان تأثير الفارق فيه ضعيفاً كقياسهم العمياء على العوراء في عدم الأجزاء في الضحية بجامع النقص، والخفي ما كان تأثير الفارق فيه قوياً كقياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد .. وقيل يجوز أن كان أصله وهو المقيس عليه مخرجاً من ذلك العام بنص وقيل يجوز أن كان المقيس عليه مخرجاً من العام أو ثبتت علة القياس بنص أو إجماع وإلا اعتبرت القرائن فإن ظهر ما يرجح القياس خصص العام وإلا عمل به وألغى القياس وهو مختار ابن الحاجب .. وذهب الإمام حجة الإسلام الغزالي إلى أن تفاوت القياس والعام في غلبة الظن رجح الأقوى فإن تعادلا فالوقف .. وذهب القاضي أبو بكر وأمام الحرمين إلى الوقف .. والحاصل من جملة هذه المذاهب أنها راجعة إلى القول، بالجواز مطلقاً وعدمه مطلقاً وإلى التفصيل والوقف ..