للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأوَّلُ نوعان:

أحدُهُمَا: لا يُسَوَّغ تركُهُ، فإذا قتل الإمَامُ مُوَرِّثه حَدّاً بالرَّجْم، أو في المُحَارَبَةِ، ففيه قوْلاَن أو وجْهَانِ:

أحدُهُمَا: عن تخريج ابْنِ سُرَيْجٍ وغيره: أنه لا يوجِب الحرْمَانَ؛ لأن الإمام مأْمورٌ به محمولٌ عليه، ويحكَى هذا عن ابن خَيْرَان.

والثاني: يوجِبَهُ لإطْلاقِ الأخبار، وفيه وجْهٌ آخرُ أنَّه يُفْرَقُ بَيْنَ أن يَثْبُتَ بالإِقْرار، فلا يُحْرَمُ؛ لأنه غير متَّهَمٍ وبيْن أن يَثْبُتَ بالبينة، فيحرم؛ لاحتمال مواطأةِ الشُّهود، وبه قال أبو إِسْحَاق.

والنوع الثاني: ما يُسَوَّغ تركه؛ كقتل المورِّث قِصَاصاً، ففيه خلافٌ مرتب على الخلاَفِ في قَتْل الإمَامِ حَدّاً، وهذا أَوْلَى باقتضاء الحرمان؛ لأنه مخيَّر (١) [في الترك والقتل]، فإذا قَتَل؛ فقد يُتَّهَم بقصْد جلْب الميراث.

والقسْم الثاني: ما لا يوصَفُ بكَوْنه مستحقاً مقْصُوداً؛ كقتل الصائل والباغي، فإنَّ المقصُودَ الدفْعُ والردُّ إلى الطاعةِ لا القَتْلُ بخصوصه، ففي تعلّق الحرمانِ بقَتْل الصائل خلافٌ مرتَّب على الخلافِ في القِصَاص، وهذا أَوْلَى باقتضاءِ الحرْمَانِ؛ لأنه غير مستحقِّ، والتهمةُ منقدحةٌ؛ لاحتمال الزيادةِ علَى القَدْر المحتاجِ إلَيْه في الدفع، وكذا قتل العادِلِ البَاغِيَ.

وأما قتْلُ الباغي العادلَ، فإنْ قلنا: الباغي يضْمَنُ؛ فلا ميراثَ لَهُ.

وإن قلْنا: لا يضمَنُ؛ فوجْهَان مرتَّبان على الخلافِ في العكس، وهذا أَوْلَى بالحرمان؛ لأنا لا نطلِقُ له قتْلَ العادل.

وإذا جمعتَ بيْنهما، قلْتَ: في جريان التوارث ثلاثةُ أقوالٍ أو أوْجُهٍ ثالِثُها؛ أن العادل يرثُ من الباغِي ولا ينْعَكِسُ.

واعلم أن ظاهر قول الشافعيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ومذهَبُه في الصُّور جميعاً إنَّمَا هو الحرْمَان، وبه قال الإمامُ أحْمَدُ.

قال القاضي الرُّويانيُّ، لكن الأخبار والقياسَ أَبَّ مَا لاَ يوجِبُ الضَّمانَ لا يوجِبُ الحرمان، ولا يبعد تخصيص الأخْبار بالقياس (٢).


(١) في ب: تقدم وتأخير.
(٢) قد يرد من الشارع أمر متعلق بعام ثم يظهر أن بعض أفراد هذا العام يستحق حكماً يخالف سائر الأفراد وهذا الحكم معلل بعلة توجد في غيره من الأفراد كأن يقول قائل لمن له أن يأمره "لا تعط من سألك شيئاً" فمن عام ينتظم جميع أفراد السائلين أغنياء أو فقراء علماء أو جهلاء، ثم تلا ذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>