ومنهم مَن أخَذَ بمذهب أهل القَرابةِ، وبه قَالَ أبو حنيفةَ، وهذا ما أوردَه صاحبُ "التَّهذيب" وأبو سعَد المُتَوَلِّي، وإنَّما سُمِّيَ الأولونَ أهْلَ التنزيلِ؛ لأنَّهم نَزَّلُوا كلَّ فرعٍ مَنزِلةَ أصلِهِ.
وسُمِّيَ الآخرون أهلُ القرابةِ؛ لأنهم يُورِّثُونَ الأقربَ فالأقْربَ، كالعَصَباتِ (١).
والمذهبانِ متَّفِقانِ على أنّ مَنِ انفردَ مِن ذَوِي الأرحامِ، يجوزُ جميعُ المالِ، وإنَّما يظهرُ الاختلافُ عندَ اجتماعِهم، ولا بُدَّ من ذكرِ المذهَبَينِ على اختصارٍ، لاختلافِ اختِيارِ الأصحاب، والوجهُ [بناؤهما] من كلِّ صِنْفٍ منهم عندَ الانفراد، ثُمَّ فيما إذا اجتمعَ منهُم صنفانِ فصَاعِدًا.
أمَّا البيانُ الأوَّلُ مِنَ الأَصْنافِ؛ أولادُ البناتِ وبناتُ الابْنِ.
أمَّا أهلُ التَّنزيلِ، فَيُنَزِّلُونَهم منزلةَ البناتِ وبناتِ الابْنِ، ويُقَدِّمُون منهم من سبَقَ إلى الوارِثِ، فإنِ استوَوْا في السَّبْقِ إلى الوارِثِ، قُدِّرَ كأنَّ الميِّتَ خَلَّفَ مَن يَدْلونَ بِهِ منَ الوَرَثَةِ، واحِدًا كانَ أو جَماعةً، ثمَّ يُجعَلُ نصيبُ كل واحدٍ منهم للمُدْلِينَ بهِ عَلَى حَسَبِ ميرَاثِهِم، لو كانَ هُوَ الميتَ.
وقالَ أهلُ القَرابَةِ: إنِ اخْتلفتْ درجاتُهُم فالأقرَبُ إلى الميِّتِ أَولَى ذَكَرًا كانَ أَوْ أُنْثَى، فَنُقَدَّمُ بنتُ البنتِ علَى بنْتِ بنْتِ البنْتِ، وعلى ابْنِ بنتِ البنتِ، وإن لَمْ تَخْتَلِفْ، فإنْ كَانَ فيهِم مَن يُدلِي بوارِثٍ، فَهُو أَوْلَى، فَتُقَدَّم بنتُ بنتِ الابنِ علَى بِنْتِ بِنْتِ البِنْتِ؛ لأنَّها تُدْلِي بِوارِثَة هَذا إذا أَدْلَى بنفسه بالوارث.
أمّا إذَا أدْلَى بواسطةٍ، كبِنْتِ بنتِ بنت الابْنِ، مع بِنْتِ بنْتِ بنت البنتِ.
فلأصحاب أبِي حنيفَة، فيهِ اختلافٌ، والصحيحُ عندَهُم، أنه لا تَرْجِيحَ.
وقضيةُ مَا أورَدَه أصحابُنا، الترجيحُ كَما لَوْ أدْلَى بِنَفْسِهِ، وإن استوَوْا في الإدْلاَءِ، وَرِثوا جَميعًا، وكَيفَ يَرِثُونَ؟ قَالَ أبو يوسفَ: والنَّظَرُ إلى أبْدانِهم دُونَ مَنْ يتوسطُ بينهم مِنَ الآباءِ والأمَّهاتِ؛ فإن كَانُوا ذُكُورًا، أو إِنَاثًا، سُوِّيَ بينهم، فإنِ اختَلفوا فللذَّكرِ مثلُ حظِّ الأُنْثَيَينِ.
وقالَ محمَّد: يُنظَرُ من المتوسِّطِينَ بينَهُم، وبينَ الميِّت، مِن ذَوِي الأرحامِ، فإنِ اتَّفقُوا، ذكورَةً وأُنوثَةً، فالجَوابُ كذلِكَ، وإنِ اختَلَفُوا فإمّا أن يكونَ الاختلافُ في بطْنٍ واحدٍ أو أَكْثَرَ.
(١) قال النووي: الأصح الأقيس: مذهب أهل التنزيل، وللقائلين بتوريث ذوي الأرحام مذاهب غير هذين، لكن الذي اختاره أصحابنا منها هذان.