للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَنْ عُثمانَ -رضي اللَّهُ عنه- أنه أَجازَ وصيةَ غلامِ ابْنِ إِحْدَى عَشْرَةَ سنةً (١)؛ ولأن الوَصِيَّةَ لا تُزِيلُ مُلْكَه في الحَالِ، وتُفيدُ الثَّوَابَ بَعْدَ الْمَوتِ، فَتَصِحُّ كَسَائرِ القُرُبَاتِ، وبِهَذا القولِ قَالَ مالِكٌ وأَحْمَدٌ -رحمهما الله تعالى-.

والثَّانِي، وَهُوَ الأَظْهَرُ عند الأكْثَرِينَ، وبه قال أبو حنيفةَ: أَنَّهُمَا بَاطِلاَنِ كَهِبَتِهِ وإِعتاقِهِ، وَذَلِكَ؛ لأنَّه لا عِبَارَةَ له؛ ولهذا لا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وإنْ كانَ فِيهِ غِبْطَةٌ، وفي السَّفِيه المُبَذِّرِ طَرِيقَانِ:

أَحدُهُمَا: تَخْرِيجُ (٢) وصيَّتِهِ، إذا كَانَ مَحْجُوراً عليه القَولَيْنِ في وصيَّةِ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ، وهَذَا ما أوْرَدَهُ صَاحِبُ "التَّتِمَّةِ" -رحمه الله-.

وأصَحُّهُمَا: القَطْعُ بِالصِّحَّةِ، مَحْجُوراً كانَ أَوْ لَمْ يَكُن؛ لأنَّ عِبَارَتَهُ صَحِيحةٌ؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ طَلاَقَهُ يَقَعُ وإقْرَارَهُ بالْعُقُوبَاتِ يُقْبَلُ.

والثَّانِي: الحُرِّيَّةُ، فَلَوْ أَوْصَى الرَّقِيقُ، ومَاتَ على الرِّقٍّ، لَغَتْ وَصِيَّتُهُ، وإنْ عَتَقَ، ثُمَّ ماتَ، فَوَجْهَانِ: أَظهَرُهُمَا، وَيُحْكَى عَنْ أَبِي حَنيفةَ -رحمه اللَّهِ-: أنَّهَا لاَغِيَةٌ أيضاً؛ لأنه لمْ يَكُنْ أهلاً، حينَئدٍ.

والثَّانِي: الصَّحَّةُ؛ لأنَّهُ صحيحُ العِبَارَةِ، وقد أمكَنَ تنفيذُ وصيَّتَهِ، والمُكَاتَبُ كالقِنِّ (٣)، ويدخلُ في الضَّبْطِ المذكورِ الكَافِرُ؛ فَتَصِحُّ؛ وَصِيَّتُهُ، كما يصِحُّ إِعتاقُه وتمليكاتُةُ، نعم، يُشتَرطُ أنْ يُوصِيَ بِما يُتَمَوَّلُ أو يُقْتَنَى، فلا تَصِحُّ وصيَّتُه بالخمر والخِنْزِيرِ، وسواءٌ أوْصَى لِمُسلمٍ، أو ذِمِّيٍّ؛ وأَلاَّ يُوصِيَ لجهةِ مَعْصِيَةٍ، كما إذا أَوْصَى بعمارةِ (٤) كنيسةِ، أو بِنَائِها، أَوْ لِكَتَبَةِ التَّوْرَاةِ والإنْجِيلِ، أو لقرائتهما وما أشبههما.


= وقال البيهقي: علق الشَّافعي القول بجواز وصية الصبي وتدبيره بثبوت الخبر عن عمر؛ لأنه منقطع وعمرو بن سليم لم يدرك عمر. قلت: ذكر ابن حبان في ثقاته أنه كان يوم قتل عمر جاوز الحلم، وكأنه أخذه من قول الواقدي أنه كان حين قتل عمر راهق الاحتلام.
(١) أخرجه ابن شيبة من طريق الزهري: أن عثمان أجاز فذكر مثله سواء قاله الحافظ في التلخيص.
(٢) في: تخرج.
(٣) وإلحاقه المكاتب بالقن فيه نظر، والمتجه الصحة فيه إذا أعتق ثم مات إذ لا ضرر فيه على السيد، وقضيته أنها لا تصح ولو أذن له السيد، ويشبه أن يكون على الخلاف في تبرعاته بالإذن.
(٤) في أ: لعمارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>