للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَدُّوا من هذا الْقَبيلِ الوَصِيَّةَ لِدَهْنِ سراج البَيْعَ وَلَكِنَ قَيَّد الشَّيخُ أبو حامدٍ الْمَنَعَ بِما إذا قصد تَعَظْم البقعةِ؛ فأمَّا إذا قَصَد انتفاعَ المقيميِنَ، أو المُجْتَازِينَ، بضوئها، جازَتِ الوصِيَّةُ (١)، كَمَا إذا أوْصَى بِصَرْفِ شيْءٍ إلَى أهل الذِّمَّةِ، ثُمَّ هَذَا الشرطُ لا يخْتَصُّ بوصيَّةِ الْكَافِر، بلْ هو مُعْتَبَرُ في وصيَّةِ المُسْلِمِ أيضاً، حتى لو أَوْصَى ببناءِ بُقْعَةٍ لأهْلِ المَعَاصِي، لَمْ تَصِحَّ؛ لأنَّ المقصودَ من شَرْعِ الوصيَّةَ تَدَارُك ما فاتَ في حَالِ الحياةِ مِنَ الحسناتِ؛ فَلاَ يجوز أن يَكُون في وُجُوهِ المعصية، ويجوزُ للمُسْلِمِ والذِّمِّيِّ الوصيةُ لِعَمَارَةِ المسْجِدِ الأقْصَى، ولعمارَةِ قُبُورِ الأنْبِيَاءِ عليهم السلام، والعلَمَاءِ الصَّالِحِينَ رحمهم الله مَا فيها من إحياءِ الزِّيارة والتَّبَرُّكِ بها وكَذَا الوصيَّةُ لِفَكِّ أُسَارَى الكُفَّارِ من أيدي المُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ المُفَادَاةَ جَائِزَةٌ، كذا الوصيًّة بِبِنَاءِ رِبَاطٍ يَنْزِلُه أهْل الذِّمَّةِ، أو دارٍ لِتصْرَفَ غَلَّتُهَا إِلَيْهِمْ (٢).

وَقولُه في الكتابِ: "وَيصِحُّ مِنَ السَّفِيهِ المبذِّرِ" ويجوز إِعْلاَمُه بِالواو، لِطَرِيقَةِ القَوْلَيْنِ، وقولُه: "لِتَرَدُّدِهَا بين مَشَابِهِ القُرُبَاتِ والتمليكاتِ" إشارةٌ إلى تَوْجِيه القَوْلَيْنِ في وصيَّةِ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ، وقضيِّةُ التَّرَدُّدِ المذْكُورِ؛ أنْ يَجِيءَ في الوصيَّةِ الجهاتُ العامَّةُ الَّتِي


(١) وهو يقتضي تفرد الشيخ أبي حامد به، وليس كذلك ففي الكفاية وهو ما حكاه البندنيجي وصاحب العدة والفوراني وغيرهم.
وكذا القاضي الحسين في تعليقه والمحاملي في المجموع وسليم في المجرد، لكن الصواب أن هذا إذ كان بحيث ينزل بها المسلمون وإلا فهو إعانة لأهل الذمة على باطلهم فيمتنع، وإليه يشير كلام القاضي الحسين في فتاويه فقال: لو أوصى أن يصرف شيء من ماله إلى قناديل أهل الذمة. ينظر فإن كانوا يوقدون لقراءة التوراة لم يجز كبناء الكنيسة وإن كانوا يوقدون لتبصر المارة جاز. انتهى وذكر الجرجاني في المعاياة مثله.
(٢) قضية تقييد الشيخ القبور بما ذكره أنه لا تجوز الوصية بعمارة غيرها من القبور ويؤيده ما ذكره المتولي في باب الوقف أن الوقف على المقبرة لتصرف الغلة على عمارة القبور لا يجوز لأن الموتى صائرون إلى البلا والعمارة لا تلائم حالهم. ق الذي الخادم: لكن تعليله هنا بإحياء الزيارة يقتضي الجواز مطلقاً، وسكت عن تبيين المراد بالعمارة وتبعه النووي فإن كان المراد بناءها بالآلات والبناء عليها فيمتنع وكذا لو أوصى ببناء قبة وقصد بها تعظيم القبور كما كانت في الجاهلية تفعله، وإن كان المراد بعمارتها رد التراب فيها وملازمتها خوفاً من الوحش وإعلام الزائرين بها لئلا يندرس فقريب، وما جزم به الشيخ من صحة الوصية ببناء رباط ينزله أهل الذمة نص عليه الشَّافعي في كتاب الجزية ونقله الأئمة هناك وحكى الرافعي قبل باب الهدنة فيما إذا خصص أهل الذمة به وجهين من غير ترجيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>