للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا اختلف الوارثُ والمتبرِّع عليه في كون المَرَضِ مَخُوفًا بعدْ موْت المتبرِّع، فالقولُ قولُ المتبرع عليه؛ لأنَّ الأصْلَ السلامةُ عن المرض المخوف، وعلى الوارث البيِّنةُ، ولا تثبت دعْوَاه إِلَّا بشهادَةِ رجلَيْن، ولا يقبل قولُ رجلٍ وامرأتين؛ لأنها شهادة على غير المال، وإن كان المقصودُ المال، نعم، لو كانت العلة بامرأة على وجه لا يتطَّلعُ عليه الرجال غالباً، فتقبل شهادةُ رجُلَينِ، ورجل وامرأتَينِ، وأربع نسوة، ويُعْتَبَرُ في الشاهدين العِلْمُ بالطّبّ قاله في "التهذيب".

والثالث: إذا وجدنا المرضَ مَخُوفًا، حجَرْنا عليه في التبرُّع فيما زاد على الثلث ولم ننفذه لكنَّه، لو فعل، ثم سلم وبرأ، تبيَّن [صحة] التبرُّع، وأن ذلك المرض لم يَكُنْ مخوفًا، ومن هذا القبيل [ما] إِذا الْتَحَمَ القتَالُ، وحكَمْنا بأنَّه مخَوَفٌ، ثم انقضى الحَرْب وسلم، وإِذا رأينا المرَضَ غَيْرَ مخوف، فاتصل به الموت، نُظرَ؛ إن كان بحيث لا يُحَال عليه الموتُ بحال؛ كوجع الضِّرْس ونحوه، فالتبرُّع نافذٌ، والموت محمولٌ على الفجأة وإن كان غيره كإسْهال يوم، أو يومَيْن، فتبيَّن باتصال الموت كونُهُ مَخُوفًا وكنَّا نظُنُّ أن القوة تحتمله، فَبَانَ خلافه، وكذلك حمَّى يوم، أو يومين فيما رواه صاحب الكتاب في "الوسيط" وقد حكَيْنا من قبلُ الفَرْقَ بين أن يعرق، أو لا يعرق في هذه الصورة والله أعلم. ونعود الآن إلى ما يتعلَّق بلفظ الكتاب:

أما تغيير التَّرْتيب في بعض مسائل الفَصْل، فسببه أنا أَرَدْنا أن نذْكُر الأمراض المُخَوفة، والأحوال الملتحقة بها مجْمُوعَةً، ثم نأخذ في نوع آخَرَ من الكلام، وأمَّا قوله: "كُلُّ ما يستعد الإِنسان بسببه لما بعد الموت" فمعناه أنه يتهيأ للموت، ويعد أسباب التجهيز، وما ينفعه بعد الموت من توبة، ووصية، ورد مظلمة، وفي هذه اللفظة ما يُشْعِرُ بإخراج الفَالَجِ، إذا امتدَّت مدته عن الأمراض المخوفة؛ لأن المفلوج لا يستعدُّ للموت، وما بعده، ويجوز أن يُعْلَم [قوله] (١) بالحاء؛ لأن الأستاذ أبا منصور وغيره حَكَوْا عن أبي حنيفة وأصحابه أن المرض المخوَف ما يمنعه من أن يجيء، ويذْهَب، وما لا يمنعه من التردُّد، فهو غير مخوف، ورُوِيَ عنهم أن المخُوفَ هو الذي يجُوزُ القُعُود له في صلاة الفَرْض.


= الحاكم فكان بمنزلة الأخبار، وأخبار الصبي مقبولة على رأي، فكذا خبر الفاسق يجب العمل به إذا وقع في نفس المخبر صدقة في حق نفسه، وقد تقول بمثل ذلك في خبر الكافر، ولا كذلك فيما نحن فيه؛ لأنه لا يتعلق بسماع الحاكم لا يقبل قول صبي ولا فاسق ولا كافر، كيف وفيه تفرد حكمه على الغير، ومما يوضح ذلك كله أن قول العدد الواحد في باب التيمم كافٍ بل ظن المتيمم يكفي فيه، ولا كذلك فيما نحن فيه:
(١) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>