للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب فقال: "هو إزالةُ المِلْك عن مالي بغير ثمن [المثل] (١) من غير استحقاق [كالعتقُ والهبة والوقف والصدقة وغيرها] " (٢).

وفيه أربعةُ قُيُود: إزالة الملك، وكونُهَا إِزالةَ عن مالٌ وكونها بغير ثمن المثل، ومجانًا، وبغير استحقاق. وفيما يدخل فيها، وَيخْرُج منها مسائلُ:

إحداها: ما يستحق عليه من ديون الآدَمِيِّينَ، وديون الله تعالَى؛ كالزكاة، وحَجَّة الإِسلام، تُوَفَّى بعد موته، وتكون من رأس المال أوصَى بها، أو لم يُوصِ وقال أبو حنيفة: إنْ أوصَى بالزكوات والكفارات، يُؤَدَّى من الثلث، وإن لم يوص بها، فقد ذكرنا عنه، وعن مالك في "كتاب الحج"؛ أنَّهَا تسقط، فيُعْلَمُ قوله في الكتاب "فمن رأس المال" بالحاء والميم، ويجوز أن يُعْلَمَ قوله "أوصى" بالواو؛ لوجهٍ سيأتِي في الباب الثانِي؛ أنه إذا أوصى بها بحُسْبَ من الثلث. وقوله في الكتاب "والكفارات الواجبة" ينبغي أن يُعْلَمَ بالواو أيضاً؛ لأن الذي يجعَلُه من رأس المال -بلا خلاف- ما يَجِبُ بأصْل الشرع أيضاً كالحجِّ، والزكاة، فأما ما يتعلَّق بالتزام العَبْد من نذر، ومباشرةٍ بسبب يقتضي الكفارة، ففيه خلافٌ مذكورٌ في الباب الثاني، ولو قضَى في مرضه ديونَ بَعْضِ الغرماء، فلا يزاحمه غيره، إن وَفَّى المالُ بجميع الديون، وإلاَّ، فكذلك على المذهب المشهور.

وفيه وجْهٌ آخرُ: أن للباقين مزاحمته، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله-، كما لو أوصَى بتقديم بعض الغرماء، لا تنْفُذُ وصيته.

الثانية: البيع بثمن المثل أو أكثر نافذٌ من رأس المال؛ سواءٌ باع من الوَارِث، أو من أجنبيٍّ غريم، أو غير غريمٍ، وقد ذكَرْنا خلافٌ أبي حنيفة في البَيْع من الوارثِ منْ قبل، وإن باع محاباة، فإن كانَتْ يسيرةً يتسامح بمثلها، فكما لو باع بثَمَنِ المثل، وإن كانَتْ أكثر من ذلك، فإن كانت مع الوارِثِ، فهي وصيةٌ للوارث، وإلاَّ، فهي معتبرةٌ من الثلث، فهذا لم تخرج من الثلث، فإن أجاز الوارث، نفذ البيعُ في الكلِّ، وإلاَّ، بطل فيما لا يَخْرُج من الثلث، وفيما يخرج طريقان، وإذا لم تبطل، ففي كيفية صحة البيع قولان، وكلُّ ذلك ذكرناه في "باب تفريق الصفقة" (٣) من البيع، ثم المحاباة المعتبرةُ من الثلث كلُّ ما يزيدُ عَلَى ثمن المثل أم ما يَزِيدُ عَلَى ما يتغابَنُ الناس بمثله.


(١) سقط في: أ، ز.
(٢) قال النووي: ينبغي أن يضم إليه ما يتناول التبرع بالكلب وسائر النجاسات، وبالمنفعة التي تصح الوصية بها، فيقال: إزالة الاختصاص عن مال ونحوه.
(٣) ذكره الحناطي والأستاذ أبو منصور وهو المنصوص للشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>