للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي ذكره الأستاذ أبو منصور، وأبو عبد الله الحناطيُّ هو الاحتمال الثانِي، وهذا كله إذا باع بثَمَنٍ حالٍّ، فإن باع بثَمَن مؤجَّلٍ، ولم يحل الأجلُ، حتى مات، فيعتبر من الثُّلُث، سواء باع بثمن المثل، أو أقَلَّ، أو أكثر, لما فيه من تفويت اليَدِ علَى الورثة، وتفويتُ اليدِ ملحق بتفويت المالِ؛ ألا تَرَى أن الغاصِبَ يضْمَنُ بالحيلولة، كما يضمن بتفويت المال؟ فليس له تفويت اليد عليهم، كما ليس له تفويت المال، فإن لم يخرج من الثلث، ورد الوارث ما زاد، فالمشتري بالخيار بَيْن فَسْخ البيع، والإجازة في الثلث بثُلُث الثمن، فإن أجاز، فهل يزيد ما يَصحُّ فيه البيع، إذا أدَّى الثلث؟ فيه وجهانِ منقُولاَن في "التَّهذِيب":

أصحهما: لا؛ لاَرتفاع العَقْد بالرَّدِّ.

والثاني: نعم؛ لأنَّ ما يحصل للورثة ينبغي أَن نصحح الوصية في نصفه، فعلَى هذا يصحُّ البيع في قدرِ نصف المؤدَّى، وهو السُدُسُ بسُدُسِ الثمن، فإذا أدَّى ذلك السُّدُس، زيد بقَدر نصف النصف، هكذا إلى أن يحصل الاستيعاب.

الثالثةُ: نكاحُ المريض صحيح، وعن مالك -رحمه الله- منعه لنا: أن معاذًا -رَضِيَ الله عَنْهُ- قَالَ في مَرَضِ [مَوْتِهِ] زَوِّجُوني حتَّى، لاَ أَلقَى اللهَ تَعَالَى أعْزَبَاً" (١)، وأيضاً، فإنه استباحةُ بُضْعٌ فيستوي فيه حالُ الصحَّة والمَرَض، كشراءِ الجوارِي، وإذا نكح، فَيُنْظَرُ، إن كان بمهر المثل، أو أقلَّ، اعْتُبِرَ من رأس المال، كما لو اشترى شيئاً بثَمَن مثله، وإن كان بأكثر من مهر المثل، فيستحقُّ مهر المثل، فالزيادة تبرُّعٌ على الوارث، وقد سبق حكْمُه؛ فإن لم تكن وارثةً كالذمية، والمكاتَبَةِ، فالزيادةُ محسوبةٌ من الثلث، إن خرَجَتْ منه، نفَذَ التبرع بها, ولو ماتت الزوجةُ قبله، فإن كانت الزيادةُ تخرج من الثلث، فيسلَّم لها؛ لأنه لا يلزم الجمع بين التبرع والميراث، وإن لم يخرج، دارت المسألةُ، ونذْكُرُها في "باب الدَّوْر" إن شاء الله تعالى.

ولو نَكَحَتِ المريضةُ بأقلَّ من مهر المثل، فالنقصان تبرع على الوارث، فللورثة ردُّه وتكميل مهر المثل، فإن لم يكن وارثًا، كما إِذا كان عبداً، أو مُسْلِماً وهي ذمِّيَّةٌ، لم يكمل مهر المثل ولم يُعْتَبَرْ هذا النقْصَان من الثلث، وإنما جُعِلَ ذلك وصيَّةً في حقِّ الوارث، ولم يُجْعَلْ وصيةً في الاعتبار من الثلث؛ لأن المريض، إِنَّمَا يُمْنَعُ من تفويت ما عنْده، وهذا ليس بتفويت، وإنما هو امتناعٌ من الاكتساب.

وأيضاً، فإنَّ المنع فيما يُتوهَّم بقاؤه للوارث، وانتفاعه به، والبُضْع ليس كذلك،


(١) رواه البيهقي من حديث الحسن عنه مرسلاً، وذكره الشَّافعي بلاغاً.
تنبيه وقع في بعض نسخ الرافعي معاوية، بدل معاذ، وهو غلط. قاله الحافظ في التلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>