للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحهما: المنع؛ لأن تسليط الموصَى له يتوقَّف على تسليط الورثة على مِثْلَى ما تسلَّط عليه، ولا يمكن تسليطهم على الثُّلُثَيْنِ؛ لأنه ربما يسلم المال الغائب، ويخلص الموصَى به للموصَى له، فكيف يتصرَّفون فيه؟ فلو أنهم تصرَّفوا في ثُلُثَيْ الحاضر، قال أبو الفرج السرخسيُّ في "الأمالي": إن بَانَ هلاكُ المالِ الغائِب، فتبيَّن نفوذ تصرُّفهم؛ ولك أن تقول: وَجَبَ أن يخْرُجَ ذلك على وقْف العقود (١).

قال: وإن سلم، وعاد إليهم، فتبين بطلان التصرُّف. أم لا؟ ويغرَّم للموصى له الثلثين؛ فيه وجهان؛ الثاني منْهما ضعيف.

واعلم أنَّ هَذَا الوَجْهَ الثَّانِيَ قَرِيبٌ من قَوْلِ مَالِكِ -رحمه الله-: إِنَّ الْوَرَثَةَ يتمكَّنُونَ مِنْ خَلْعِ الوَصِيَّةِ في العَينِ المُوصَى بِهَا، وجعلها شائعة في ثلث المال.

ولو أعتق عبداً، هو ثُلُث ماله، أو دَبَّرَهُ، وباقِي مالِهِ غائبٌ، ففي نفوذ العتق والتدبير في ثلثه الخلافُ المذكورُ في الوصيَّة، هكذا ذكره في "الوسيط" وغيره، وسيأتي في التدبير، وقد يستبعد التردُّد في حصُول العِتْق في الثلث، فإنَّ المال الغائب إمَّا باقٍ، فجميعُهُ حُرٌّ أَو هالكٌ، فالثلثُ حُرٌّ، بل الوجه الجزْمُ بالوصيَّة أيضاً بإثبات الملك في الثلث، ورد الخلاف إلى أنه، هل ينفذ تصرُّفه فيه، أو يمْنَعُ من التصرُّف إلى أن يتسلط الوارثُ على مثليه، والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الرُّكْنُ الرَّابعُ: الصِّيغَةُ وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِيجَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْصَيْتُ أَوْ أَعْطُوهُ أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ، فَإنْ قَالَ: هُوَ لَهُ فَهُوَ إِقْرَارٌ يُؤَاخَذُ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: هُوَ مِنْ مَالي لَهُ، وَلَوْ قَالَ: عَيَّنْتُهُ لَهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ فَيَنْفذُ مَعَ النِّيَّةِ، وَالقُبُولُ شَرْطٌ (و)، وَلاَ أَثَرَ لَهُ في حَيَاةِ المُوصِي، وَلاَ يُشْتَرَط الفَوْرُ بَعْدَ المَوْتِ، وَإنْ مَاتَ المُوصَى لَه انْتَقَلَ حَقُّ القَبُولِ وَالمِلْكِ إلى الوَارِثِ، وَإِنْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ وَمَنْ لاَ يَتَعَيَّنُ لاَ يُشْتَرَطُ القُبُولُ، وَالمُعَيَّنُ إِنْ رَدَّ بَعْدَ القُبُولِ وَقَبَلَ القَبْضِ فَفِي نُفُوذِهِ خِلاَفٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الكلاَمُ في "الصيغة" في طَرَف الإيجاب، ثم في القُبُول:

أما الإيجابُ، فلا بد منه، وذلك بأن يقول: أوصيتُ له بكذا، أو أعطُوه، أو ادْفَعُوا إليه بعْد موتي كذا، أو هُوَ له، أو جعلْتُهُ له بعد موتي، أو ملَّكته، أو وهبته منه بعد موتي، أما إذا اقتَصَرَ عَلَى قوله: وهبت منْه، ونوى الوصيَّةَ، فأظهر الوجْهَيْن: أنه لا يكون وصيةً؛ لأنه أمكن تنفيذه في موضوعه الصريح، وهو التمليك النَّاجِزُ.


(١) قال النووي: بل ينبغي تخريجه على القولين فيمن باع مال أبيه ظانًا حياته فبان ميتًا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>