للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قال: هُوَ لَهُ؛ فهذا إِقرارٌ يُؤاخَذُ به، ولا يجعل كنايةً عن الوصية، إلاَّ أن يقول: هو له من مالي، أو يقولَ: عبدي هذا لفلانِ، فيصح كنايةً عن الوصية؛ لأنه لا يَصْلُح (١) إقرارًا.

ولو قال: عينته له، فهذا كناية؛ لأنه لا يحتمل التعيين للتمليك بالوصية، والتعيين للإِعارة، والإفهام في الحال، فلا يَنْصَرِفُ إلى الوصية إلاَّ بالتعيين.

وقوله في الكتاب "تنفذ مع النية" فيه وفي كلام الإمام وغيره إشعارٌ بأن الوصيَّة تنْعَقِدُ بالكنايات جزمًا، وأنه لا يجيءُ فيه الخلافُ المذكورُ في البيع ونَحْوه، ووجِّهَ ذلك بأنا ذكَرْنا في أول "البَيْع" أن ما يَقْبَلُ مقصودُهُ التعليقَ بالإغرار كالكتابة، والخُلْع -ينعقد بالكناية مع النية، والوصيَّة في نفسها تَقبَلُ التعليقَ بالإغرار (٢) فأولَى أن تنعقد، ولأنها إذا قبلت التعليق بالإغرار، فَلأَن تَقْبَلَ الكنايات أولَى، وبأن الوصية لا تفتقر إلى القبول في الحال، فيشبه ما يستقلُّ به الإِنسان من التصرُّفات.

ولو كتب: إِنِّي أوصيتُ لفلانْ بكذا، قال في "التتمة": لا ينعقد، إذا كان الشخْصُ ناطقًا، كما لو قيل له: أوصيتَ لفلان بكذا، فأشار أن نَعَمُ (٣).

ولو وُجِدَ له كتابُ وصيةٍ بعد موته، ولم يَقُمْ بينة عَلَى مضمونه، أو كان قد أشهد جماعةً أن الكتاب خَطِّي، وما فيه وصيَّتي، ولم يُطْلِعْهم على ما فيه، فجواب عامة الأصحاب أنه لا تَنْفُذُ الوصيةُ بذلك، ولا يُعْمَلُ بما فيه حتى يشهد به الشهودُ مفصلًا، وذكر أن نَصْرَ بن أحْمَدَ من أُمَرَاء خُرَاسَانَ أراد أن يُوصِيَ، ولا يُطْلِعَ عَلَى وصيته أحداً، فشاور العلماء، فلم يُفتُوا له بذلك، إلاَّ محمَّد بن نَصْرِ المَرْوَزِيَّ، فإنه قال فيما روى الإمامُ، والمتولِّي: يَكفِي الإشهادُ عليه مبهماً، وفيما روى أبو الحسن العَبَّادِيُّ أنه يكفي


(١) قال في الخادم: كلام النووي في المنهاج مصرح بأنه تصريح، فإنه عده مع الصرائح، وذكر حكم الكناية بعده، والعجب أن كلام المحرر يقتضي أنه كناية أيضاً وقد احتج بعض المتأخرين إلى الصراحة على وفق ما في المنهاج.
قال: ونص الشافعي في مسألتين يقتضي أنه صريح، والظاهر أن الحامل للرافعي على ذلك قول الوجيز فهو إقرار إلا أن يقول من مالي، وفي الوسيط لو قال هذا لفلان ثم قال: أردت الوصية فيقبل قوله إنه أراد الوصية إلى آخر ما ذكره.
(٢) قضية الجزم بما قاله في التتمة وهو مخالف لجزم النووي في المنهاج بأن الكتابة كناية على أن الرافعي بعد ذلك أبدى انعقادها بالكتابة بحثاً قال: لأنها بمثابة الألفاظ سبق في البيع ذكر الخلاف في انعقاد البيع ونحوه بها، فإذا كتب وقال: نويت الوصية لفلان، أو اعترف ورثته به بعد موته، وجب أن يصح.
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>