للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالأَصَحُّ (ح م) مِنَ الأَقْوَالِ أَن المِلْكَ قَبْلَ القُبُولِ مَوْقُوفٌ، فَإنْ قَبِلَ تَبَيَّنَّا المِلْكَ مِنْ وَقْتِ المَوْتِ، وَإِنْ رَدَّ تَبَيَّنَّا الانْتِقَالَ إلَى الوَرَثَةِ بِالمَوْتِ، وَيُمَلَّكُ بالمَوْتِ في قَوْلٍ ثَانٍ (ح)، وَبِالقَبُولِ في قَوْلٍ ثَالِثٍ، وَنَتَوَقَّفُ فِي أَحْكَامِ المِلْكِ كَمَا تَوَقَّفْنَا فِي المِلْكِ كَالزِّيَاةِ الحَادِثَةِ وَالنَّفَقَةِ وَزَكَاةِ الفِطْرِ وَالمَغَارِمِ وَانْفِسَاخِ النِّكَاحِ إنْ كَانَ المُوصَى بِهِ زَوْجَةَ الوَارِثِ أَوِ المُوصَى لَهُ وَالعِتْقِ إنْ كَانَ قَرِيبَ المُوصَى لَهُ أَوِ الوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ المُوصَى بِهِ ابْنَ المُوصَى لَهُ وَمَاتَ قَبْلَ القَبُولِ وَقَبِلَ أَخُوهُ الوَارِثُ عَتَقَ الابْنُ بِطَرِيقِ التَّبْيينِ مِنْ وَقْتِ (و) مَوْتِ المُوصِي، ثُمَّ لاَ يَرِثُ إِذْ فِيَ تَوْرِيثِهِ حِجَبُ الأَخِ وَإبْطَالُ قُبُولهِ فَفِي تَوْرِيِهِ إبْطَالَ تَوْرِيثِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ القَابِلُ ابْنَ المَيِّتِ إِذْ يَرْتَدُّ حَقَّهُ إلَى القُبُولِ في النِّصْفِ وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ لاَ يَرِث أَيضًا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مَتَى يملك الموصَى له الموصَى به؟ فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: عن رواية ابن عبد الحَكَمِ المِصْرِيِّ، وأبي ثَوْرٍ: أنه يُمْلَكُ بالموت؛ لأنَّ استحقاقه يتعلَّق بالموت، فأشبه المِيرَاثَ.

والثاني: وبه قال أبو حنيفة، ويروى عن مالك، وأحمد -رحمهم الله- أنه يُملَكُ بالقبول؛ لأنه تمليكٌ بعقد، فيتوقَّف الملك فيه على القَبُول، كما في البيع ونحوه، وعلى هذا فالملكُ قبل القبول، للوارث أو يبقى للميت؟ فيه وجهان:

أصحُّهما: الأول، والثالثُ، وبه قال المزنيُّ، وهو الأصحُّ، أنا نتوقَّف في الحال، فإن قَبِلَ، تبيَّنَّا أنه مِلْكٌ من يوم الموت، وإلاَّ، تبيَّنَّا أنه كان ملكَاً للوارث من يَومَئِذٍ؛ لأنه لو ملك بالمَوْتِ، لما ارْتَدَّ بالرد، كالميراث، وبتقدير أن يرتدَّ، وجب أن يكون انتقالُه إِلَيْهِمْ بحسب الهبة (١) منْهم، لا بحَسَب الإرث من الموصِي، ولو ملك بالقَبُول، فإما أن يكون قبل القُبُول للميت، واستمرار الملك مع المَوْت بعيد أو للوارثِ، وحينئذ، فالموصَى له يتلقَّى الملك عن الوارث، لا عن الموصِي، وهو بعيدٌ أيضاً. وأيضاً، فالإرث يتأخر عن الوصايا، كما قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] وإذا بطَلَ الجزْمُ بالأقسام، وجب التوقُّف ولو أوصَى بعتق عبْدٍ معيَّنِ بعد موته، فالملك في العبد إلَى أن يُعْتَقَ للوارث، ولا يُجْعَلُ على الخلاف، وفَرَقُوا بأن الوصيَّة تمليك للموصَى له، فيبعُدُ الحكم بالملك لغَيْر مَنْ أوجب له الملك،


(١) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>