للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالثة: أن يقع بعد القَبُول وقبل القبض، ففيه وجهان:

أحدهما: صحةُ الرَّدِّ؛ لأنه تمليكٌ من آدميٍّ بغير عوض، فيصح ردَّه قبل القبض، كالوقْف ويُحْكَى هذا عن ظاهر نصه في "الأم".

وأظهرهما: المنع لأن الملك حاصلٌ بعد القبول، فلا يرتفع بالردِّ، كما في البيع، وكما بعد القبض، فهذا قال الموصَى له: رددتُّ الوصية لفلان، يعني أحد الورثة، فعن "الأم" أنه إن قال: أردت لرضاه، كان ردًا على جميع الورثة، وإن قال: أردتُّ تخصيصه بالردِّ عليه، فهو هبة له خاصَّة.

قال الأئمة -رحمهم الله-: وهذا مفرَّع على تصحيح الردِّ بعد القبول، وإلاَّ فما، لا يملكه لا يمكنه أن يملكه غيره، ثم لم يُعتَبَر لُفظ الهبة والتمليكِ، وقال القاضي أبو الطيب -رحمه الله-: لا بدَّ منه، وهو القياسُ، ولو مات، ولم يبيِّن ما أراده، جُعِلَ ردّاً عَلَى جميع (١) الورثة، وإذا لم يقبل المرضى له، ولم يُرِدْ، فللوارث مطالبته بأحَدِ الأمرين، فإن امتنع، حُكِمَ عليه بالرد.

ولو مات الموصَى له قبل موت الموصِي، بَطَلَتِ الوصية، ولو مات بعد موته، قام وارثه مَقَامَهُ في القَبُول والرد.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: تلزم الوصية بموته، ويجُوزُ أن يُعْلَم؛ لذلك قوله: "انتقل حقُّ القبول" بالحاء؛ واحتج الأصحاب بأن وارث الموصَى له فَرْعٌ له، فإذا لم يَملِكِ الأصل بغَيْر قبول، فالفرع أولَى، ولفظ "الملك" في قوله: "انتقل حق القبول والملك" يريد به حقَّ التمليك، ويجوز أن يُحْمَلَ على نفس الملك، تفريعًا عَلَى أن الموصَى به يملك المَوْتِ.


(١) قال في الخادم فيه أمور:
أحدها: قضية أن الشَّافعي أطلق النص والحمل للأصحاب وهو في ذلك متابع لصاحب الشامل وليس كذلك فقد قال الشَّافعي في الأم في باب الوصية للرجل وقبوله ورده ما نصه: ولو قبلها ثم قال: قد تركتها لفلان من بين الورثة أو كان له على الميت دين فقال: قد تركته لفلان من بين الورثة قبل قوله تركته لفلان، يحتمل معنيين أظهرهما تركته تشفعًا لفلان أو تقربًا إليه. فإن كنت أردت فهذا هو متروك للميت بين ورثته كلهم وأهل وصاياه ودينه كما ترك، وإن مات قبل أن يسأل فهو هكذا؛ لأن هذا أظهر.
الثاني: ما حكاه عن القاضي قال: إنه القياس ممنوع، بل النقل والقياس على الصحة، وإن لم يوجد لفظ الهبة ولا التمليك أو النقل فكلام الشَّافعي السابق مصرح بانعقاد الهبة بالكنايات.
الثالث: لم يبين أي الإرادتين أظهر وفي كلام الشافعي أن الأولى أظهر، ولهذا فرع عليه أنه إذا مات قبل البيان حمل عليه كما جزم به الرافعي أخيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>